7‏/2‏/2001

إدارة الأوقـاف بين المركزيّة واللامركزيّة



الأصل في تحديد النظام الإداري للأوقاف ينطلق من إرادة الوقف، فهو الذي يحدّد نوع النظام إن كان مركزياً أو لامركزي.
ومن خلال النظر إلى إدارة الوقف ـ تاريخياً ـ فإنه كان هناك تنوع في شكل الإدارة ابتدأ من النظام الإداري اللامركزي، وانتهى بالنظام الإداري المركزي.
ولقد كان الواقف نفسه يدير وقفه أو يعهد بذلك إلى شخص بعينه, ولا بدّ من الأخذ بشرطه في هذه الحالة إن كان متيسراً, وهنا نكون بصدد لامركزية الإدارة, إلا أنّ هناك أسباباً عدة أدّت غالباً إلى تحول إدارة الأوقاف من اللامركزية إلى المركزية, وقد ظهر ذلك جلياً من خلال تدخل الدولة في الإشراف على الممتلكات الوقفية.
وتمثلت تلك الأسباب بفساد تصرف النّظار وضعف وازعهم الديني, وضعف ريع الممتلكات الوقفية التي يشرفون على إدارتها, بالإضافة إلى عدم قدرتهم على حماية أملاك الأوقاف من المتنفّذين والمتسلّطين في الكثير من أطراف الدولة الإسلامية,خصوصاً في عهد الدولة العثمانية .
وعلى كل حال فإن الامر في أيامنا آلَ إلى وجود جهة تشرف على إدارة الأوقاف,تعرف بوزارة الأوقاف, وتعمل تحت إشراف الدولة, ويكون لها مركز رئيس في العاصمة, ومراكز فرعية في المحافظات أوالأقاليم, والنّظام الإداري الذي يطبق في وزارات الدولة الأخرى, يطبق نفسه في هذه الوزارة, فإن اعتمدت تلك الدولة النظام المركزي , فإنه يطبق نفسه في وزارة الأوقاف, وإن اعتمدت النظام اللامركزي فإنه يطبق نفسه في تلك الوزارة.
وإن الاتجاهات المعاصرة للإدارة تميل نحو تطبيق اللامركزية الإدارية في تسيير المعاملات الإدارية, والسبب في ذلك يرجع إلى العيوب الناتجة عن تطبيق المركزية الإدارية في ما له علاقة بتأخيرإنجاز معاملات الناس, وضياع الوقت, واستعمال طاقات الجهاز الإداري المركزي في أنشطة كان بغنىً عنها , الأمر الذي ينعكس سلباًعلى تنمية القطاعات الاقتصادية الموجودة في المحافظات أوالأقاليم, والتي منها قطاع «الوقف».
على أن ذلك لا يعني التخليّ عن الإدارة المركزية, والتي تعتبر الجهة الرئيسة المشرفة والمسؤولة عن المؤسسات التابعة لها في الأقاليم , ولذلك فإن الرأي المعاصر في الإدارة يتجه إلى الجمع بين المركزية واللامركزية في إنجاز العمل الإداري في وزارات الدولة ومؤسساتها ,والتي منها وزارة الأوقاف, الأمر الذي ينعكس إيجابياً على تنمية القطاعات الاقتصادية المختلفة,بما فيها قطاع الوقف.
لكنّ هذه الدراسة جاءت لتوضيح النّظام الإداري الذي نختاره لإدارة الوقف ويكون له مصلحة فيه: هل النظام المركزي, أم اللامركزي,أم نجمع بينهما؟.

* * * * *


بسم الله الرحمن الرحيم
المقـدّمـة
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيد المرسلين,سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وبعد :
فإن استمراررسالة الوقف في خدمة المجتمع متوقف على إيجاد الإدارة الكفوءة بشقّيها النظامي والبشري, فلا بد من اختيار النظام الإداري الذي يخدم مصلحة الوقف, وكذلك لا بد من اختيار العنصر البشري الصاع لإدارة الوقف, ذلك لأن الوقف ليس تبرّعاً عادياً؛ نقداً كان هذا التبرع أو عيناً, ولكنه حسب التعبير الفقهي صدقة جارية, فهو حبس للأصل ورصد للرّيع لجهة من جهات الخير, فهو نظام تبرّع ونظام إدارة في الوقت ذاته .
لكّن إدارة الأوقاف تحتاج إلى نظام إداري يعتمد فيها لإنجاز الأعمال الإداريّة التي تساهم في استمراره , وهنا يوجد سؤال يفرض نفسه, هل نعتمد النظام الإداري المركزي أم النظام الإداري اللامركزي, أم نجمع بينهما؟ وسؤال آخر أيضاً: هل تحصر إدارة الأوقاف بالقطاع العام كما هو الموجود ـ غالباً ـ في أرض الواقع أم نسمح للقطاع الخاص أو الأهلي بالقيام بذلك، على أن يكون تحت إشراف بعض المؤسسات الوقفيّة التابعة للقطاع العام ؟.
إنّ الإجابة على هذين السّؤالين تنطلق من المعايير التي تخدم هذا الوقف, وتفرض بالتالي النّمط الإداري المطلوب, وهل يكون ذلك للقطاع العام أم للقطاع الخاص , أم يجمع بينهما ؟
وتتمثل تلك المعاييربالوقت والتكلفة والجهد, فالمطلوب إنجاز العملية الإدارية للوقف بأدنى وقت وأدنى تكلفة وأدنى جهد، على أن يحقق ذلك أقصى عائد ممكن من عملية استثماره.
ولذلك جاءت هذه الدّراسة لتحديد النظام الإداري المتوازن الذي يحقق الكفاية الإدارية والاقتصادية لمؤسسة الوقف.

القسم الأولّ: بيان إدارة الأوقاف والمركزية واللامركزية
يتناول الكلام الآتي تعريف إدارة الأوقاف, ثم تعريف المركزية الإدارية مع بيان إيجابياتها وسلبياتها, ثم تعريف اللامركزية الإدارية مع بيان إيجابياتها وسلبياتها .
أولاً: تعريف "إدارة الأوقاف":
يتناول الكلام الآتي تعريف الإدارة أوّلاً, ثم تعريف الأوقاف ثانياً،وذلك للوصول إلى تعريف "إدارة الأوقاف ".
أ:تعريف الإدارة:
ينصرف تعريف الإدارة بالمعنى الواسع إلى توجيه الجهد البشري بغية تحقيق معيّن, سواءً أ كانت الإدارة عامّة أم خاصّة, وهذا يعني أن "الإدارة" تعرّف وفقاً لما تضاف إليه, ذلك لأنّها تارةً تضاف إلى لفظ "العام"فنكون بصدد ممارسة "الإدارة العامة" في القطاع العام, وتارة تضاف إلى لفظ "الخاصّ" فنكون بصدد"الإدارة الخاصّة" أو ما اصطلح على تسميته في علم الإدارة بـ "إدارة الأعمال", والتي تمارس في القطاع الخاصّ.
وبسبب ما تقدّم ,فإنّ الدّراسة تدفعنا إلى الدّخول في تعريف"الإدارة العامّة" وتعريف "إدارة الأعمال ".
تعريف"الإدارة العامّة":
عندما يذكر الحديث عن الإدارة, فمعنى ذلك أنّه يرتبط حكماًبإدارة جهود الموارد البشريَّة في قطاع معيّن. وفيما له علاقة بنقطة الدّراسة هنا, فإنّه ينصبّ على إدارة الموارد البشريَّة في مؤسَّسات القطاع العام بمختلف أقسامها وفروعها.
ولقد ذكر للإدارة العامَّة عدّة تعريفات, يذكر الباحث منها الآتي :
"ذلك الفرع من العلوم الاجتماعيَّة الذي يُِِِعنى بِوَصْفِ وتفسير وتكوين نشاط المنظّمات الإداريَّة العامَّة التي تعمل لتحقيق الأهداف العليا للسلطة السّياسيَّة"() هذا بالنّسبة لتعريف الإدارة العامَّة في الأنظمة الإداريَّة المعاصرة, أمَّا كتاب الإدارة العامَّة في النظام الإداري الإسلامي ,فإنَّهم يعرّفونها بالآتي:
"الإدارة العَّامة في الإسلام هي تنظّيم وإدارة القوى البشريَّة لتحقيق أهداف الدولة الإسلاميَّة في إطار أحكام الشَّرع" (). والباحث يشير إلى أنَّ هذا التعريف يسهم في خدمة الدّراسة.
تعريف إدارة الأعمال:
المقصود بإدارة الأعمال هنا تلك الإدارة التي تجري في القطاع الخاص الذي يتضمّن المؤسَّسات الفرديَّة والشَّركات التجاريَّة, وقطاع المهن الحرة والحرف.
ولذلك فإنَّ إدارة الأعمال تعني ذلك "العلم الذي يتناول دراسة المشروعات التجاريَّة ووسائل إدارتها على ضوء التجارب العلميّة الحديثة,حتى تتمكن المشروعات من استغلال السّبل التي تؤدي إلى الوفر في التكاليف وزيادة الإنتاج,مع ضمان تتطورها وتقدّمها".()
وهذا النّوع من التعريّف لا تحتاجه الدّراسة,لأنَّ إدارة المؤسَّسة الوقفيَّة في الوقت الحالي تتبع مؤسَّسات القطاع العام ,وإن كانت تتميّز عنها ببعض الخصائص, لكنها لا تتبع بحال من الأحوال مؤسَّسات القطاع الخاصّ.
ب ـ تعريف الأوقاف:
تعدّدت تعريفات الوقف بين الفقهاء القدامى والمعاصرين، وكان كلّ فقيه ينطلق من بيئة عصره في وضع تعريف للوقف، والفقه ـ كما هو معلوم ـ من وضع الفقيه، وقد يضع الفقيه فِقْهاً لبيئته وزمنه، وهو بالتالي يصلح للتطبيق لهما، وليس بالضرورة أن يصلح للتطبيق في زمن آخر، وفي بيئة أخرى.
ونظراً لصور التّطبيق المتعدِّد للوقف في كُلّ عصر، والتي قد تتنّوع وتتعدّد بين عصر وآخر، فإنّ لذلك دوراً في وضع الفقيه لتعريف الوقف، خصوصاً في الوقت المعاصر، ولذلك لا يوجد مانع من القول بأنّ تعريف المصطلح الفقهي قد يتغيّر بين عصر وآخر؛ أقلّه في ميدان فقه المعاملات.
ويقتصر الباحث على ذكر تعريف معاصر للوقف يتمثل بالآتي:
"الوقف حّبْسٌ لمالٍ؛ مؤبَّداً أو مؤقَّتاً، عن كلِّ أنواع التصرّف الشخصي من بيع أو هبةٍ أو غيرها، للانتفاع به أو بثمرته في حهات من البرّ العامّة أو الخاصّة، على مقتضى شروط الواقفِ، وفي حدود أحكام الشريعة" ().
ج: تعريف :إدارة الأوقاف":
سبق أن ذُكِرَ خلال تعريف "الإدارة العامّة"، أنّها تنصبّ على إدارة الجهد البشري في مؤسّسات القطاع العام. كذلك ذكِرَ خلال تعريف "الوقف" أنّه "حبسٌ لمال"، وهذا المال؛ والذي يطلق عليه في الوقت المعاصر بلغة الاقتصاديين مصطلح "رأس المال"، قد يكون عَيْناً؛ كالأرض والمنزل والسيارة والآلة، وقد يكون نقداً.
وقد يكون الشيء الموقوف جهدَ الإنسان() أو فعله؛ وذلك خلال فترةٍ زمَنيّة مُعيَّنة؛ وقد يكون ذلك الجهد يَدويّاً؛ كأن يوقف الإنسان الحِرفيّ (صاحب الحرفة، كصائن السيّارات والبناء والدّهان...) جُهْده خلال فترةٍ زمنيّة محدّدة ـ سنة مثلاً، على مؤسَّسة وقفيّة. وقد يكون جهد الإنسان الموقوف عقليّاً؛ كأن يوقف الإنسان الذي يعمل في قطاع المهن الحرّة جهده خلال فترةٍ زمنيّة محدّدة ـ كعمل المدرّس الذي يقدّم خدمة التّعليم لمؤسّسة تربويّة وقفيّة ـ ساعتين في الأسبوع لمدة سنة مثلاً بدون مقابل.
لكنّ الشّيء الموقوف يحتاج إلى إدارة الجهة المشرفة عليه؛ فإن كان عقاراً؛ بناءً أو أرضاً، فلا بدّ من إدارته بالشكّل الأمثل لتعظيم منفعته، وإن كان مؤسّسةً تربويّة، فلا بدّ من إدارتها بالشكل الأمثل لاستمرار رسالتها.
وبناءً على ما تقدّم، فإنه يمكن تعريف "إدارة الأوقاف" بأنها: "تنظيم وإدارة القوى البشريّة المشرفة على الوقف؛ لتحقيق مصلحة الوقف بالشكل الأمثل، وكذا مصلحة المنتفعين به أو بثمرته في جهات البرّ العامّة أو الخاصّة، على مقتصى شروط الواقف، وفي ظلّ أحكام الشّرع".
ثانياً: تعريف المركزيّة واللامركزيّة:
عندما يذكر مصطلح "المركزيّة" أو اللامركزيّة، فإنه يتبع حكماً بمصطلح "الإدارية"، ولذلك يقال: المركزية الإدارية، واللامركزية الإدارية. ومن المعروف أنّ القانون الإداري الذي يطبق في المؤسسات العامّة للدولة يتحدث عن هذين المصطلحين، فيوضح النمط الإداري المعتمد في إنجاز المعاملات الإداريّة، إما من خلال المركزيّة الإداريّة، وإمّا من خلال اللامركزية الإداريّة.
والكلام الآتي يتضمّن تعريف المصطلحين السّابقين:
أ ـ تعريف "المركزية الإداريّة":
عرّفت المركزيّة الإداريّة بأنها «تجميد الصلاحيات الإداريّة في مركز واحد، وبصورة خاصة في العاصمة، وتكون إما مرنةً؛ وتسمى باللامركزيّة الإداريّة، وإمّا مطلقة»().
ويُفهم من التعريف أنّ للمركزيّة الإداريّة صورتين():
1ـ المركزية المرنة: وهي التي تتخلّى فيها السّلطات المركزيّة المسؤولة عن بعض صلاحياتها لكبار الموظفين في العاصمة أو لممثلين لها في المناطق، كالمحافظ أو القائمقام.
2ـ المركزيّة المطلقة: هي التي تتجمّع فيها السّلطات الإداريّة في يد الحكومة ورئيس الدولة، بشكل تكون فيه جميع القرارات لا تصدر إلاّ عنهما. وهذا النوع غالباً ما يؤدي إلى الأنظمة الاستبداديّة والعسكرية التي تسعى إلى السّيطرة المطلقة على البلاد.
وفي ما له علاقة بدراسة هذه النقطة ـ المركزيّة الإداريّة ـ بموضوع الدراسة ـ إدارة الأوقاف ـ فإنه يمكن القول ـ غالباً أنّ الدّول العربية والإسلاميّة التي اعتمدت أو تأثرت بالفكر الاشتراكي كنظام سياسيّ لها اعتمدت الإدارة المركزيّة المطلقة كنظام إداري مطبق في جميع وزاراتها والمؤسسات العامّة التابعة لها؛ بما فيها وزارة الأوقاف. والقسم الآخر من تلك الدّول؛ والتي اعتمدت أو تأثّرت بالفكر الديمقراطي كنظام سياسيّ لها اعتمدت الإدارة المركزيّة المرنة كنظام إداريّ مطبق في جميع وزاراتها، والمؤسّسات العامّة التابعة لها؛ بما فيها وزارة الأوقاف.
ب ـ تعريف اللامركزيّة الإداريّة:
عرّفت اللامركزية الإداريّة بأنّها :توزيع الصلاحيّات الإداريّة بين السلطات المتمركزة في العاصمة والكيانات الأخرى؛ كالبلديات والمؤسّسات العامّة().
والأصل في الصلاحيّات الإداريّة أن تكون بيد المسؤول المختصّ الموجود في العاصمة؛ والذي يتمثّل بالوزير المختصّ ـ في علم الإدارة العامّة ـ لكن الوزير المختصّ يقوم بتوزيع بعض صلاحياته على المؤسسات المحسوبة على وزارته، والموجودة في الأقاليم أو المحافظات، وهنا نكون بصدد ما اصطلح على تسميته بالتفويض. وإنّ للامركزيّة الإداريّة صورتين():
1ـ اللامركزيّة المطلقة أو الكاملة: والتي تعني تفويض السّلطة الإدارية الكاملة في اتخاذ القرارات؛ أي إنّ كل إداريّ في المنظمة التي يرأسها يتمتّع بسلطة تحديد ما يشاء من الأهداف، وإصدار ما يريد من القرارات، وهنا نكون بصدد الفوضى.
2ـ اللامركزية النّسبيّة: والتي تعني توزيع قسم من الصلاحيات الإداريّة من قبل السلطة المركزية إلى السلطة المحليّة؛ وهي التي تضمّنها التعريف.
وفي ما له علاقة بدراسة هذه النقطة ـ اللامركزيّة الإداريّة ـ بموضوع الدراسة ـ إدارة الأوقاف ـ فإن الباحث لا يفضّل اعتماد اللامركزية المطلقة في إدارة المؤسسات الوقفيّة في الوقت المعاصر، وذلك بسبب ضعف الوازع الديني لبعض أشخاص الجهاز الإداري العامل في تلك المؤسّسات، وما نتج عنه من سوء إدارة؛ كان له أثره السّلبي على الممتلكات الوقفية. وإن كان ـ الباحث ـ يؤيّد اعتماد اللامركزيّة النسبيّة في غالب وظائف العمليّة الإداريّة في إدارة الأوقاف، كما سيظهر لاحقاً.
ثالثاً: المركزيّة الإداريّة: الإيجابيات والسّلبيات:
لكلّ نظام إداري إيجابياته وسلبياته، فإن كانت الإيجابيات أكثر من السلبيات، فلا مانع من اعتماده، وإن كانت السّلبيات أكثر من الإيجابيات، فالأولى تركه واعتماد غيره. وفي ما له علاقة بالمركزيّة الإداريّة، فإن الكلام الآتي يتناول إيجابيات هذا النّظام وسلبياته.
أ ـ إيجابيات المركزيّة الإداريّة:
تتضمن المركزيّة الإدارية وحدة الإدارة وتناسقها في جميع محافظات الدولة، وتتمثّل أهمّ إيجابياتها بالتالي:
1ـ تركيز سلطات الدولة وتقوية نفوذها بحصر السّلطات في جهازها المركزي، وعدم تبخّره في الأجهزة المحليّة.
2ـ استقرار النّظم الإداريّة وإجراءاتها، وتناسق الإدارة في جميع محافظات الدولة، وتوحيد نمط النشاط الإداري في جميع المرافق؛ مما يسهّل على الموظفين تطبيقها، ولا يؤثّر عليهم اتنقالهم من مركز إلى مركز، كما يسهل على المواطنين فهمها وتقديرها.
3ـ توزيع الإفادة من المرافق العامّة على جميع المحافظات في الدولة، تبعاً لمبدأ وحدة ميزانيّة الدولة وماليتها العامّة.
4ـ إمكانية القيام بمهام المرافق الأساسية الكبرى التي تهدف إلى تأمين الخدمات للمواطنين جميعاً في مختلف المحافظات والتقسيمات الإداريّة الأخرى، والتي قد لا تستطيع إمكانات محافظة معنية بتأمينها إلى سكانها، فالدولة وحدها بما تملكه من إمكانات مادية ضخمة، ووسائل فنيّة ومعنويّة كبرى، تستطيع مباشرة مهام تلك المرافق؛ والتي تعجز عنها إمكانات المحافظات.
5ـ انتفاء التأثّر بالحالات الفرديّة والاعتبارات المحليّة، والنّظر إلى جميع التقسيمات الإداريّة أو المحافظات على أنها أجزاء متساويّة من الوطن. وتلك النظرة الشاملة تؤدي إلى تقاسم الأعباء تقاسماً موحّداً، وإلى الاستفادة من مشاريع الدولة بشكلٍ متساوٍ().
ولا شكّ أنّ تلك الإيجابيات تظهر على الإدارة الوقفيّة الموجودة في العاصمة إذا اعتمدت النظام الإداريّ المركزيّ، والتي تتمثّل عادة بوزارة الأوقاف.
ب ـ سلبيات المركزيّة الإداريّة:
تتمثل أهمّ تلك السلبيات بالآتي:
1- بُعدُ السلطة المركزيّة عن المحكومين في المحافظات، وجهلها بالحاجات المحليّة لتلك المحافظات.
2- تأخير إنجاز المعاملات، والتي يجب أن تمرّ بعدّة مراحل، حتى يتبلغ أصحابها بنتائجها.
3- تكبيد المواطنين مصاريف يستلزمها الانتقال من محافظتهم إلى العاصمة، لكي يراجعوا بشأن معاملاتهم.
4- عدم التجاوب مع المفهوم الحديث للدولة، والذي يعتمد الحكم الذاتي المحلي كمظهر من المظاهر التي تحتاجها الدولة المعاصرة، والتي يدعو إليها النظام الديمقراطي().
وتلك السلبيات تظهر أيضاً إذا اعتمدت إدارة الأوقاف الموجودة في العاصمة النظام الإداري المركزيّ.
رابعاً: اللامركزيّة الإداريّة: الإيجابيات والسّلبيات:
تقوم اللامركزيّة الإداريّة على توزيع الصلاحيات بين السلطات الموجودة في العاصمة والمؤسسات الإدارية الموجودة في المحافظات، وإنّ لاعتماد هذا النّمط الإدراي إيجابيات وسلبيات، والكلام الآتي يتضمن توضيح ذلك.
أ ـ إيجابيات اللامركزيّة الإداريّة:
تتمثل أهم تلك الإيجابيات بالآتي:
1ـ إعفاء الحكومة المركزيّة من الضغط الزّائد عليها، وهو الضغط الذي يتمثل في كثرة الطلبات التي يتقدّم بها المواطنون، وبالتالي فإنّ إحالة مصالحهم ومشكلاتهم إلى المناطق التي ينبع منها الضغط يخفّف من تلك الأعباء.
2ـ السّرعة والمرونة في البتّ بالقرارات المتعلقة بالأعمال، وحلّ المشكلات، وتلافي الأخطاء أو تداركها.
3ـ توفّر المعلومات لدى الرؤساء بالمستويات اللامركزيّة، مما يجعل القرارات على المستوى اللامركزي مبنية على المعلومات المتكاملة الصحيحة.
4ـ سهولة عمليّة الاتصال وفاعليتها، حيث تتمّ الاتصالات مباشرة دون تعقيدات.
5ـ إمكان التنسيق بين مختلف الخدمات الميدانية، مثل الصحّة والتعليم والشؤون الاجتماعيّة في إطار اللامركزيّة على مستوى المحافظة.
6ـ إعفاء القيادات المركزيّة من القلق المستمرّ على الطرق والأساليب المتّبعة، وجعلها تهتم بالنتائج، وبالتالي يتم تقييم الأشخاص كالمحافظين على أساس الإنجازات التي يحققونها، وليس الأسلوب المتّبع في العمل.
7ـ تنمية القدرات والمهارات القياديّة، وذلك بإتاحة الفرصة للتدريب على تحمّل المسؤولية والإعداد لتولّي المناصب القياديّة ().
وكما ذكر في تعريف اللامركزيّة الإداريّة، فإنّ لها صورتين: اللامركزية المطلقة أو الكاملة؛ وهذا النّوع لا يمكن اعتماده في إدارة المؤسسات الوقفيّة، نظراً لمخاطره المحتملة، والنّاتجة عن إدارة الفريق المحلّي للمتلكات الوقفية الموجودة في تلك المحافظة، أما الصورة الأخرى؛ والمتمثلة باللامركزيّة النسبيّة، فهذه يمكن اعتماد بعض مفردات نظامها الإداري في إدارة الأوقاف، وتظهر بالتالي بعض من تلك الإيجابيات التي تتركها في حال اعتمادها.
ب ـ سلبيات اللامركزيّة الإدارية:
على الرغم من إيجابيات اللامركزيّة الإداريّة، فإن لها سلبيات يتمثّل أهمها بالآتي:
1ـ إنّ جوهر اللامركزيّة هو منح الأجهزة المحليّة حريّة اتخاذ القرارات المتعلقة بنشاطها في الحدود التي تتعارض مع وحدة التنظيم العام. على أن هذه الحرية يلزم أن يقابلها نوع من الرقابة المركزيّة الفعّالة حتى لا تنعدم وحدة القيادة. ومن ناحية أخرى، يجب الحذر من الرقابة المركزيّة المحكمة الجامدة، لأنها تحد من حرية التصرّف.
2ـ تفتيت السلطة الإداريّة وتبخرها في الهيئات العامّة المتعددة مع ما في ذلك من نيل للوحدة الإداريّة، بحيث إنها قد تتولد في بعض الأحيان دويلات ضمن الدولة الواحدة، كما يطغى نفوذ تلك الهيئات العامة إلى حدّ يتجاوز نفوذ الدولة ذاتها.
3ـ تقصير الهيئات العامة المحلية عن القيام بالواجبات التي تتطلبها المنطقة، نظراً لقلة الموارد إذا قورنت بموارد الدولة عامة، وهزالة إمكاناة الهيئات المحليّة بالنسبة لإمكانات الدولة الضخمة، سواء أكانت ماديّة أو فنيّة.
4ـ تقديم المصالح الخاصّة والمحليّة على المصالح العامة، وإمكانيّة التنناحر بين المصلحتين.
5ـ النقص في الفنيّين والمختصين على المستوى المحلي، وحرمان المحليات من الخدمات المركزيّة الفنيّة.
6ـ بالإضافة إلى أن اللامركزية فيها إضعاف للسلطة المركزيّة، فإن الإدارة المحليّة قد تحيد عن أهداف الخطّة العامّة، كما قد تختلف عن تنفيذ السياسة العامّة.
7ـ تؤدي اللامركزيّة إلى إضعاف التنسيق على النطاق القومي().
وفي ما له علاقة بموضوع الدراسة، فإن وزارة الأوقاف الموجودة في العاصمة؛ في حال اعتمادها للنظام الإداري اللامركزي في إنجاز معاملاتها الإداريّة، فإن ذلك سيؤدي إلى ظهور تلك السلبيات، خصوصاً إذا اعتمدت اللامركزيّة الإداريّة المطلقة أو الكاملة.
وإن غاية الدراسة الوصول إلى نظام إداري متوازن، يتفادى السّلبيات الموجودة في المركزيّة الإداريّة واللامركزيّة الإداريّة إلى حدّ كبير، ويخدم مصلحة الممتلكات الوقفيّة. وهذا ما سيصار إلى توضيحه في ثنايا هذا البحث.
والجدير ذكره أن النّظام الإداري المتوازن، الذي أصبح من متطلبات الدولة المعاصرة، هو ذلك النّظام الذي يسعى للجمع بين المركزيّة الإداريّة واللامركزيّة الإداريّة، لأنّه ثبت في أرض الواقع فشل اعتماد أحدهما دون الآخر، خصوصاً في الدول ذات الحجم الكبير. ولذا فإن الدولة الحديثة تحتاج إلى الأسلوبين مع بعضهما البعض. وهذا ما ستسعى الدراسة إلى بيانه في مجال إدارة الأوقاف بين السلطتين المركزية الموجودة في العاصمة والسلطات المحلية الموجودة في المحافظات.
القسم الثاني: إدارة الأوقاف تاريخاً:
إنّ الغاية من دراسة إدارة الأوقاف في التّاريخ الإسلامي تتمثّل بمعرفة النمط الإداري الذي تمّ استخدامه خلال إدارة تلك الأوقاف، هل هو النّمط الإداري المركزي أو اللامركزي؟.
أولاً: إدارة الأوقاف في عصْر النّبوة:
إنّ النّاظر في الأحاديث النبويَّة التي تتحدّث عن الوقف يدرك إنَّ إدارة الشيءالموقوف تظل بيد الواقف نفسه,وهذا يعني أننا بصدد النظام الإداري اللامركزي في تلك الحقبة. والذي يؤكد ذلك مارواه نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَصَابَ أَرْضًا بِخَيْبَرَ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَأْمِرُهُ فِيهَا، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ أَنْفَسَ عِنْدِي مِنْهُ فَمَا تَأْمُرُ بِهِ. قَالَ : إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا. قَالَ فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ ،وَتَصَدَّقَ بِهَا فِي الْفُقَرَاءِ وَفِي الْقُرْبَى وَفِي الرِّقَابِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَالضَّيْفِ، لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ وَيُطْعِمَ غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ"().
والشاهد من الحديث والذي يدلّ على لامركزية الإدارة قوله r لسيدنا عمر t: «إن شئت حبست أصلها، وتصدّقت بها»، فعندها منحه حقّ التصدّق بريع تلك الأرض، دلّ ذلك على منحه إدارته لها، وكان ذلك ـ وفق التعبير المعاصر ـ بمنزلة اللامركزيّة الإداريّة، وعندئذ أدارها سيدنا عمر t من خلال استثمارها، ثم التصدّق بعائدها على من ذكر، ثم أعلن أنّ من أدارها بعده فلا جناح عليه أن يأكل منها بالمعروف. وهذا يعني أن الواقف يدير ما وَقَفَ، وقد يعيّن المدير للشيء الموقوف بعد وفاته، وينبغي أن يؤخذ بشرطه آنئذٍ، وقد اشتهرت القاعدة الفقهية الوقفية في ذلك، والتي تنصّ على الآتي: «شرط الواقف كنصّ الشرع». ولقد علّق الدكتور مصطفى الزرقاء على تلك القاعدة فقال: « وهذا التشبيه بنصّ الشارع إنّما هو من ناحيتين:
أنه يتبع في شرط الواقف وتفسيره القواعد الأصولية التي يجب تحكيمها في تفسير نصّ الشارع.
أنه يجب احترامه وتنفيذه كوجوب العمل بنص الشارع، لأنه صادر عن إدارة محترمة، نظيرَ الوصيّة»().
ولا شك أن هذه القاعدة مستنبطة من هذا الحديث وأمثاله، والتي تؤكد على اللامركزيّة الإداريّة.
وممّا ينبغي ذكره في هذا المجال أنّ الواقع العام للواقفين في عصر النبوّة كان يغلب عليه عنصر الصّلاح، وكان الواقفون من أهل الأمانة والتقوى، وهذا الأمر ليس بغريب عنهم، لأنّهم تربّوا تحت عيني المربِّ الأول سيدنا محمد r، ولذلك دفعهم إيمانهم إلى وقف بعض ما بأيديهم احتساباً للأجر عند الله I، وتخفيفاً من معاناة مجتمعهم، ولذلك أذن النبي r للواقف منهم أن يكون ناظراً (مديراً) على وقفه. وفي ما له علاقة بكثرة الواقفين يقول سيدنا جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: «لم يكن أحد من أصحاب النبي r ذو مقدرة إلا وَقف»().
ثانياً: إدارة الأوقاف بعد عصر النبوّة وحتى عصر الدولة العثمانية ضمناً:
تناول أحد الباحثين المعاصرين() تاريخ الوقف وإدارته بعد عصر النبوّة، حيث ذكر أهم محطاته في مصر، والباحث إذ يذكرها فإنّه يريد الإضاءة على التحوّل الذي حصل في إدارة الأوقاف من اللامركزيّة المطلقة التي كانت سائدة في عهد النبي r إلى المركزية النسبيّة في العصور التي تلت ذلك العصر.
ولقد سار الخلف على طريق السّلف، فكثرت الأوقاف في الحجاز، وفي بقية ديار الإسلام المفتوحة، خاصة في العراق ومصر والشام، فلما كثرت هذه الأوقاف احتاجت لمّن ينظم شؤونها.
ولقد تدخّل القضاء لتنظيم إدارة الأوقاف، وكان أوّل من فكّر بذلك القاضي «توبة بن نمير»، قاضي الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك على مصر، فأوجد لها تنظيماً، وأنشأ لها ديواناً مستقلاً عن بقية الدواوين، ووضغه تحت إشرافه. ويعد هذا الديوان أوّل تنظيم للأوقاف ليس في مصر فحسب، بل في كافة الجهات الإسلامية. ومنذ ذلك الوقت أصبحت الأوقاف تابعة للقضاة، وصار من المتعارف عليه أن يتولى القضاة النظر على الأوقاف؛ بحفظ أصولها وقبض ريعها وصرفه في أوجه صرفه. وبهذه الخطوة انتقلت إدارة الأوقاف من اللامركزيّة الإداريّة المطلقة؛ حيث حتى ذلك التاريخ لم يتدخل القضاء بصفته مؤسّسة تابعة للدولة في إدارة الأوقاف، إلى المركزية الإدارية النسبيّة. وكان بعض القضاة يتفقد الممتلكات الوقفية، ويرعى شؤونها بنفسه، فمثلاً نجد أبا طاهر الحزمي قاضي مصر في سنة 173 هـ يتفقد الأوقاف ثلاثة أيام في الشهر، فيذهب مع العاملين معه ومعهم العاملين عليها، فيأمر بترميمها وإصلاحها إذا وجدها بحاجة لذلك، أمّا إذا وجد تقصيراً من المتولين أو من غيرهم عاقبهم على ذلك.
وازداد تدخل القضاء في إدارة الممتلكات الوقفية في عهد الدولة الفاطمية، وذلك في زمن الخليفة المعزّ، فقد وضعت الأوقاف تحت سلطة قاضي القضاة، وأنشئت مؤسسة خاصّة سميت باسم «بيت مال الأوقاف» لاستلام الموارد العامة التي تغلها أوراق هذا الديوان بعد انتهاء رمضان من كل سنة، لأنّ أموال الأوقاف وإدارتها لم تكن جزءاً من الإدارة العامة. وبذلك وضعت تحت إشراف القضاء لكي يتحقق من أنّ معاملاتها تتم وفق الشريعة وإرادة الواقفين.
وفي عهد المماليك قسمت الأوقاف إلى ثلاثة أقسام:
ـ الأحباس: وتتمثّل بالأراضي التي وضعت تحت إشراف إدارة دويدار السلطان (دار الدعوة)، ويشرف عليها ناظر، ولها ديوان خاص.
ـ الأوقاف الحكميّة: وتتمثّل بالأراضي الموجودة داخل المدن، وجعلت مواردها لمكة المكرمة والمدينة المنورة. ووضعت تحت إشراف قاضي القضاة، وهو الذي يعين بدوره ناظراً عليها، أو عدّة نظار، وكل واحد منهم كان يرأس ديواناً للموظفين العاملين فيه.
ـ الأوقاف الأهلية؛ ولكل واحد منها ناظره أو متوليه الخاص.
وفي عهد الدولة العثمانية صارت للأوقاف تشكيلات إداريّة تشرف عليها، وصدرت قوانين متعددة لتنظيم شؤونها، وبيان أنواعها، ولا زال الكثير من هذه القوانين معمولاً بها إلى يومنا هذا ().
ومن خلال استقراء بعض المحطات التاريخية للأوقاف، يتبين للباحث بأن إدارة الأوقاف أصبحت تحت إشراف القضاء؛ حيث يقوم بمراقبة أعمال النظّار، ويحاسبهم في حال التقصير، وربما يعزلهم ويعين غيرهم، ويسعى إلى كل ما يؤمّن مصلحة الأوقاف، وهذا كله ـ باختصار ـ يعني تدخّل الدولة بإدارة الأوقاف من خلال جهاز القضاء التابع لها، ويعتبر نقطة تحوّل من اللامركزيّة الإداريّة المطلقة، التي كانت سائدة في عصر النبوّة وما تبعه من خلافة راشدة، إلى المركزيّة الإداريّة النسبيّة التي يتمثّل جُلّ عملها بوظيفة الرّقابة من القاضي أو قاضي القضاء على أعمال النظار في العصور المتعاقبة؛ بما يحقق استمرار رسالة الوقف ومصلحة الموقوف عليهم.
والباحث يريد أن يختم هذه الفقرة بأن جميع الوقفيات التي كانت موجودة في العصور الإسلامية المتعاقبة؛ والتي كانت تدار من قبل النظار أو المتولّين، أصبحت في أيّامنا تحت إشراف إدارات الأوقاف في البلاد الإسلاميّة ووزارتها لعدّة أسباب؛ لعلّ أهمها استحالة معرفة شرط الواقف أو مراعاة ذلك في إدارة الوقف، بسبب تباعد الزّمان، وضياع الحجج الوقفية التي ترشدنا إلى ذلك، الأمر الذي استدعى وجود تلك الإدارات كي تشرف وتدير الممتلكات الوقفية، وهذه مسلّمة لا يمكن إنكارها. ولقد تناول أحد الباحثين المعاصرين التنوّع في شكل الإدارة في تلك الفترة فقال: «فمن حيث إدارة الوقف، وجدت أوقاف تدار من قِبَل الواقف نفسه، أو واحد من ذريته من بعده يحدد وصفه الواقف. ووجدت أيضاً أوقاف تدار من قبل المشرف على الجهة المستفيدة، كأن يذكر الواقف في حجّة وقفه أن يدار من قِبل إمام المسجد الذي تنفق عليه خيرات الوقف؛ وهذا كله يندرج ضمن الإدارة اللامركزيّة الفردية المطلقة التي لا تشارك الدولة فيه إلاّ من حيث رقابة القضاء. ومع مرور الزّمن وجدت الأوقاف التي فقدت وثائق إنشائها، فلم يعرف شكل للإدارة ممّا اختاره الوقف لها. فتولّى القضاء عندئذ تعيين إدارة الوقف. وفي العصور المتأخرة وجدت أيضاً الإدارة الحكومية للأوقاف، وبخاصة بعد صدور قانون إنشاء وزارة للأوقاف في الدولة العثمانية في منتصف القرن التاسع عشر تقريباً ().
القسم الثالث: إدارة الأوقاف في التطبيق المعاصر:
لايستطيع الباحث أن يورد أفكاراً لمعالجة مشكلة دون قراءة ما يجري في أرض الواقع وإلاّ كانت أفكاره غير قابلة للتطبيق.
وإدارة الأوقاف في أيامنا تتمّ من خلال الجهة الحكومية المشرفة على الممتلكات الوقفية,والتي تعرف بوزارة الأوقاف, وهذا أمرٌ لا يمكن تجاوزه,خصوصاً تلك الممتلكات التي مرّت عليها مئات السنين, وأصبح من الصعوبة بمكان مراعاةشرط الواقف في إدارتها, وهو ما يعرف بالنَّاظر.
ولقد تناول أحد الباحثين المعاصرين() الحكم الشّرعي لقيام الإدارة الرسميَّة, أو ما يعرف بوزارة الأوقاف بوظيفة النَّاظر, فنصَّ على أنَّ كلمة النَّاظر استعملت في الفقه بمعنى الحافظ للشيء والمتصرّف فيه بالمصلحة, وخاصة في الوقف حيث يعتبر النَّاظرأحد الثلاثة الذين تدور عليهم مسؤولية حفظ الوقف. وهم: الواقف, والقاضي, والنَّاظر, وهذا الأخيرهو المباشر للتصرّف, ويجب أن يكون معيّناً من أحد الاثنين السابقين, أي أن يكون من طرف الواقف أو القاضي.
ولقد أجرى ـ الباحث السابق ـ ربطاً بين علاقة القاضي ـ قديماً بالوقف, وعلاقة وزارة الأوقاف بالوقف حالياً, وذلك بعد أن اعتمد على نصوص فقهية تجيز للقاضي المعين من قبل السلطات ولاية الوقف, فذكر أن تولّي الوقف في هذا الزمان من طرف وزارات الأوقاف أمر سائغ, حيث إنَّ ولاية القاضي في الأصل مستفادة من توليته من طرف السلطات. وتوصل بعد ذلك إلى مشروعية إدارة الأوقاف من قبل الوزارة الحكومية, فاعتبر أن وزارة الأوقاف وغيرها من المؤسَّسات التي تدير الوقف صلاحية ناشئة عن صلاحية الحاكم, وهو السلطان الذي له الصلاحية في حالة ما إذا لم يعين الواقف ناظراً, أو كان النَّاظر مفسداً، أو كان الوقف على غير معينين. فهذا النوع من الأوقاف للدولة النظر فيه,وتعيين من تراه لذلك من وزارة أوإدارة أو أمانة على الطريقة التي تراها.
ويورد الباحث في ما يلي آلية إدارة الأوقاف في كلّ من المملكة العربية السعودية والجمهورية اللبنانية لمعرفة النمط الإداري المعتمد في إدارتهما. هل هو النمط الإداري المركزي, أم النمط الإداري اللامركزي؟ ثم يذكر بعض ما ذكر من نقود لهما.
أولاً : إدارة الأوقاف في المملكة العربية السّعوديَّة:
مرَّ تنظيم إدارة الأوقاف في المملكة العربية السّعودية بعدّة مراحل, كان آخرها صدور نظام "مجلس الأوقاف الأعلى" عام 1386هـ، وإصدار لائحة تنظيم الأوقاف الخيريّة ( الحصر والتمحيص والتسجيل) عام 1393 هـ ، وإنشاء وكالة متفرعة عن وزارة "الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد" عرفت باسم "وكالة الوزارة لشؤون الأوقاف"عام 1414 هـ .
والكلام الآتي يتناول تلك النّظم مع بيان وجه المركزية أو اللامركزيَّة فيها.
أ: إدارة الأوقاف السّعوديَّة من خلال نظام "مجلس الاوقاف الأعلى":
صدر هذا النظام بتارخ 16 رجب 1386 هـ ,ويتكون من 14 مادّة. وينقل الباحث منها ما له صلة بالدراسة, وتتمثَّل بالآتي:
المادة1: إنَّ الأوقاف الخيرية تتولى أمرها وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد, وأن نظارة الاوقاف يتولاها الوزير.
وفي ذلك إشارة إلى المركزية الإداريَّة.
المادة2: ينشأ مجلس أعلى للأوقاف برئاسة الوزير,وينوب عنه وكيل الوزارة لشؤون الأوقاف.
وفي ذلك تفويض الوزير لبعض سلطاته المرتبطة بالوقف إلى وكيل وزارة شؤون الأوقاف.
المادة3: يقوم المجلس بالإشراف على جميع الأوقاف الخيرية بالمملكة, وما يعيّن على إدارتها في كلّ الأحوال.
وفي ذلك إشارة إلى ضرورة مراجعة العاملين في إدارات الأوقاف الفرعية الموجودة في مناطق المملكة إلى مجلس الأوقاف الاعلى الموجود في العاصمة في المسائل الإداريَّة الرئيسة, وهو نوع من المركزية الإداريَّة.
المادة5: تنشأ بقرار من مجلس الأوقاف الأعلى مجالس اوقاف فرعية, تكون رئاستها لمندوب عن الوزير وعضوية آخرين.
وفي ذلك إشارة أيضاً إلى المركزية, فالمندوب الذي يرأس مجلس الأوقاف الفرعي يعمل تحت سلطة الوزير.
وفي قراءة تحليلية لأحد الباحثين المعاصرين لذلك النظام , يلمس الباحث أنَّه ينتقد المركزيَّة الإداريَّة, لكونه يحصر إدارة شؤون الأوقاف والتصرّف بمقدراتها في يد المجلس الأعلى للأوقاف الذي يرأسه الوزير, وهذه التركيبة تؤكد المركزية الإداريَّة الشديدة من جهة الإدارة الحكومية لشؤون الأوقاف, وتجعل التطوير مرهوناً بمدى نشاط هذه العناصر,ومدى قدرتها على تجاوز العقبات والسلبيات، التي تنجم عن الإدارة الحكومية للمنشآت والمؤسَّسات التي هي في أصلها أهلية المنشأ, وكان الأجدر أن تدار عن طريق مؤسسات مستقلة، يكون للدولة دور الإشراف والمراقبة عليها، كما كان الحال في جميع القرون التي كان يدار فيها الوقف الإسلامي قبل القرن التاسع عشر والعشرين الميلاديين. ويكاد الباحثون المعاصرون في شؤون الأوقاف يجمعون على أنَّ المركزية الإداريَّة الشديدة ـ والذي يعبّر عنه بتدخّل الدولة في الشؤون الوقفية ـ يعتبر من أهم أسباب إنكماش نموّ الأوقاف في القرنين الأخيرين().
ب ـ إدارة الأوقاف السعوديَّة من خلال "لائحة تنظيم الأوقاف الخيريَّة":
صدرت لائحة تنظيم الأوقاف الخيريَّة "الحصر والتمحيص والتسجيل" عام 1393 هـ، وجاء إصدارها ليسدّ بعض النقص في نظام مجلس الأوقاف الأعلى.
ومن النّقاط ذات العلاقة بموضوع الدراسة ما يلي :
1ـ يتولى مدير الأوقاف في كل منطقة الإشراف على تلك الأوقاف الخيريَّة في منطقته.
2ـ تبقى الأوقاف الخيريَّة الخاصّة ـ الذَّرية ـ تحت أيدي نظارها.
3ـ يكون لإدارة الأوقاف في كلّ منطقة حق الإشراف على الأوقاف الخيريَّة الخاصة لحفظ الوقف.
4ـ يتم بيع واستبدال الأوقاف ضعيفة الغلة على أن يرفع ذلك لمجالس الأوقاف الخاصَّة.
ولقد تحدَّثت تلك النّقاط عن إدارة الأوقاف الخيريَّة الموجودة في كافة مناطق المملكة, والتي جعلتها اللائحة خمس مناطق وقفية, وهي كالتالي: الغربية والوسطى والشرقية والجنوبية والشمالية. وقد كان لها دور فعَّال في تسجيل الأوقاف وحصرها, وما يزال العمل جارياً وفق هذه اللائحة, وقد تمَّ حصر معظم أعيان الأوقاف المنتشرة في المملكة على اختلاف أنواعها, وتمَّ إعداد وإستخراج الصكوك الشرعية التي ثبتت ملكيتها للأوقاف من المحاكم الشرعية في مناطق الملكية().
ج :إدارة الأوقاف السّعوديَّة من خلال"وكالة الوزارة لشؤون الأوقاف":
بدأت هذه المرحلة بإنشاء وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد,وإنشاء وكالة متفرّعة عنها تعنى بشؤون الأوقاف, وتسمى "وكالة الوزارة لشؤون الأوقاف"بموجب الأمر الملكي أ/3, والمؤرّخ في 20/1/1424هـ .
وحرصاً من الوزارة المختصَّة على العمل المختصّ, أوكلت مهمة الإشراف على الأوقاف إلى تلك الوكالة,وحدّدت لها مهمّاتها واختصاصاتها, ومنحتها الصلاحيات الإدارية التي تكفل لها إمكانية الإشراف والمتابعة لشؤون الوقف.
ولقد أنشىء لتلك الوكالة هيكل إداري مؤلّف من ست إدارات, هي:
1ـالإدارة العامة لأملاك الأوقاف .
2ـالإدارة العامة للاستثمار.
3ـ الإدارة العامة للشؤون الخيريَّة.
4ـ الإدارة العامة للمكتبات.
5ـ إدارة الشؤون المالية والإداريَّة لغلال الأوقاف.
6ـالإدارة العامة للشؤون الفنيّة.
وحدّد لكل إدارة مهاماً واختصاصات, وفرّع عنها شعباً، كما أنشئت فيها الأمانة العامة لمجلس الأوقاف الأعلى, والأمانة العامة لشؤون الأربطة().
ويتضّح للباحث من خلال بيان إدارة الأوقاف في المملكة العربية السعوديّة أنّ النظام الإداري المعتمد في ذلك يتمثّل بالإدارة المركزيّة, فجميع المهام الإدارية مرتبطة ارتباطاً هرمياً متدرّجاً حتى تصل إلى الوزير الذي يرأس وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد, ولا شكّ أنّ ذلك يترك آثاراً غير مرضية في ما له علاقة بتطوير الأوقاف واستثمار ممتلكاتها.
ثانياً: إدارة الأوقاف في الجمهوريَّة اللبنانية:
لا يوجد في لبنان وزارة للأوقاف تشرف على الممتلكات الوقفية الإسلامية,وذلك بسبب التركيبة اللبنانية الطائفية, وكانت إدارت الأوقاف منذ عهد الاستقلال عام 1943م مؤسسة عامَّة تابعة لجهاز الدولة, واستمر الأمر على ذلك حتى عام 1955م, حيث صدر المرسوم الاشتراعي رقم 18, والذي نصَّ على استقلالية تنظيم الشؤون الدينية والوقفية للطائفة الإسلامية السنية, وذلك في المّادة الأولى منه:
المسلمون السّنيّون مستقلون استقلالاً تاماً في شؤونهم الدينية وأوقافهم الخيريّة, يتولّون تشريع أنظمتها وإدارتها بأنفسهم طبقاً لأحكام الشريعة الغرّاء والقوانين والأنظمة المستمدة منها, بواسطة ممثلين منهم من ذوي الكفاءة وأهل الرأي.
لقد أعطي المرسوم الاشتراعي رقم 18 للمسلمين السنّة الاستقلاليّة التامّة لهم في المجال التشريعي والإداري للأوقاف, والبحث يتناول الجانب الإداري دون التشريعي, والذي ينفّذ بواسطة الهيئات الآتيةSad).

مفتي الجمهوريَّة اللبنانيَّة.
المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى
المفتون المحليون في المحافظات
المجالس الإدارية الموجودة في العاصمة والمحافظات
المدير العام للأوقاف الموجود في العاصمة ورؤساء الدوائر الوقفية الموجودون في المحافظات.
ويمكن القول أنّ الصّلاحيات المعطاة لوزير الأوقاف في الدّول العربية والإسلامية معطاة في لبنان إلى مفتي الجمهورية اللبنانية, بسبب عدم وجود ذلك المنصب في لبنان, وأنّ المركزية الإداريَّة هي النظام الإداري المعتمد في إدارة الأوقاف في لبنان.
أما صلاحيات تلك الأجهزة فهي على النحو الآتي:
فمفتي الجمهوريّة هو الرئيس الديني للمسلمين,وهو الرئيس المباشر لجميع علماء الدين, والمرجع الأعلى للأوقاف الإسلامية,ويدرس مع المفتين المحليين شؤون الأوقاف, ويعين الموظفين الإداريين.
أما المجلس الشّرعي الإسلامي الأعلى, فإنه يؤازر مفتي الجمهوريَّة في بعض المهام المنوطة به, ويملك بنوع خاص سلطة تنظيم الشؤون الوقفية والرقابة عليها, والتصديق على موازنتها وتحديد طرق إستثمار العقارات الوقفية وإقرار استبدالها, وفي ذلك كله تظهر صور المركزية الإداريّة.
والمدير العام للأوقاف تشمل صلاحياته إدارة أوقاف العاصمة, والإشراف على إدارة الأوقاف في كل المناطق, وهو مسؤول عن أعماله أمام مفتي الجمهوريّة والمجلس الشرعي, وهو الرئيس المباشر لموظفي الدوائر الوقفية.
أما مفتو المحافظات والأقضية,فإنّ من مهامهم رئاسة المجالس الإدارية في المناطق, والإشراف على أعمال اللجان الوقفية المحلية, وتقديم تقرير إلى مفتي الجمهوريّة كل ثلاثة أشهر. ولذلك فإنّ القرارات التي تأخذها تلك المجالس لا تصبح نافذة إلا بعد التصديق عليها من قبل المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى الذي يرأسه مفتي الجمهوريّة, وذلك بعد عرضها على المدير العام للأوقاف الموجود في العاصمة. وهنا تظهر المركزية الإدارية بشكل واضح.
ولقد انتقد أحد الباحثين المعاصرين() المركزية الإداريّة المعتمدة في إدارة الأوقاف في لبنان,فطالب بضرورة العمل على تعديل القوانين الوقفية, ولا سيما الإدارية منها, للحد من المركزية التي تشل عمل إدارات الأوقاف في المحافظات, ذلك لأنّ صلاحيات المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى والصلاحيات العائدة للمديرية العامة في بيروت، تجعل كل شاردة وواردة تدخل ضمن تلك الصلاحيات.
والجدير ذكره في هذا المجال أنّه يوجد في لبنان العديد من العقارات الوقفية التي اهتمّ بها السلاطين والوزراء والأغنياء العثمانيون. وكان لدولة الخلافة العثمانية اهتمام بتلك الأوقاف,فأصدرت العديد من الأنظمة والقوانين لتنظيمها وتصنيفهاوبيان علاقتها بالسلطة الحاكمة.
وفي ظل تلك الأنظمة والقوانين,والتي ما زال بعضها يطبّق في لبنان, صنّفت الأوقاف الخيريّة كما يلي:
1ـ الأوقاف المضبوطة: وهي الأوقاف التي وقفت من قبل السلاطين على أن تكون بعهدة إدارة الدولة أو الأوقاف التي ضبتت أملاكها من قبل نظارة (وزارة) الأوقاف لإنقراض المشروطة لهم الولاية عليها, أو التي اتّضح من مصلحة الوقف الخيري ضبطها.
2ـ الأوقاف الملحقة: وهي الأوقاف التي تدار بواسطة المتولّي الذي شرط له الواقف إدارتها, إما بإشراف نظارة الأوقاف ومحاسبتها, أو تدار مباشرة بواسطة نظارة الأوقاف ريثما يتم تعيين متولّ لها.
3ـ الأوقاف المسّتثناة: وهي الأوقاف التي استثنت من الضبط والإلحاق وفق شروط الواقف الذي أناط الولاية بأشخاص معينين.ولا تتدخّل نظارة (وزارة) الأوقاف في هذا النوع من الأوقاف, والأمر نفسه بالنسبة للمديرية العامة للأوقاف الموجودة حالياً في لبنان, وإنّما تخضع لرقابة القضاء الشّرعي ومحاسبته.
ومما ينبغي لفت النظر إليه أنّ النّوع الثالث من الأوقاف يشهد انتشاراً في أرض الواقع, وذلك بسبب الفساد الإداري المنتشر في دوائر الأوقاف التابعة لدار الفتوى, الأمر الذي دفع أهل الخير الراغبين بوقف ممتلكاتهم إلى الاتصال بالقيمين على تلك الأوقاف, ووقف ما يرغبون بوقفه, وهو ما يعرف بأرض الواقع بـ "الوقف الخيري المستقل" الذي يعمل بشكل مستقل ودون تدخل من المديرية العامَّة للأوقاف في العاصمة أو من الدوائر الوقفية الموجودةفي المحافظات. وهذا النوع من الوقف هو الذي كان سائداًً في التاريخ الإسلامي, مع تطوّر في التنظيم الإداري في التطبيق المعاصر , وينبغي إعادة العمل به, أو السّماح به في البلاد الإسلامية التي لا تسمح به, وهو الذي يتلاءم مع الهدف الخامس من أهداف المؤتمر, والذّي نصّ على:
درء مساوىء مركزية اتخاذ القرار بشأن التصرّف في أعيان الأوقاف واستغلالها.
القسم الرابع: النظام الإداري المقترح لإدارة الأوقاف:
إنّ الغاية من هذه الدراسة اقتراح نظام إداري يكون من مصلحة الممتلكات الوقفية, وهو الذي يقوم على تحقيق تنميتها من خلال استثمارها بأدنى وقت وأدنى جهد وأدنى تكلفة, على أن يؤدي ذلك إلى تحقيق أقصى عائد مالي ممكن, الأمر الذي يساهم في استمرار رسالتها في خدمة مجتمعاتها.
ولقد ذكر الباحث في مقدّمة هذه الدراسة السلبيات الناتجة عن اعتماد النظام الإداري المركزّي، كذلك ذكر السلبيات الناتجة عن اعتماد النظام الإداري اللامركزي. وفي حال اعتماد أيّ منهما في إدارة الأوقاف حالياً, فلا شك أنّ تلك السلبيات ستكون موجودة, خصوصاً في النظام الإداري المركزي, وهذا الأمر يصدّقه الواقع. والمطلوب من هذه الدراسة تفادي تلك السلبيات في النظام الإداري المقترح لإدارة الأوقاف.
وإنّ