29‏/9‏/2011

مدير معهد الإمام الغزالي بمسجد باريس الدكتور صديقي جلول: الطريقة الشيخية رمز الجهاد وعمق الصوفية


بلدية الأبيض سيد الشيخ : ملتقى حول الطريقة الشيخية

من أهم المداخلات والمحاضرات التي تميزت بها فعاليات الملتقى الوطني حول الطريقة الشيخية خلال اليوم الأول لها لاسيما بعد ان اشرف معالي وزير الشؤون الدينية والأوقاف السيد عبد الله غلام الله على افتتاح الملتقى ..بحضور شخصيات وطنية مثقفة معروفة حيث تعدت القراءات والمداخلات ذات المستوى العالي و الأكاديمي حول هذه الطريقة العريقة ..لقد استهل الدكتور صديقي جلول مدير معهد الغزالي بمسجد باريس في تقديم أحسن محاضرة قيمة التي عرفت إقبالا كبيرا وتحليلا واسعا حول شخصية تاريخ الولي الصالح سيدي الشيخ مؤسس الطريقة الشيخية والذي تفضل في إلقاء محاضرته قائلا الحمد لله الواحد والدائم بلا عدد والدائم بلا أمد ،والقائم بلا عمد ،المقتدر بالآلاء،الممتع بالكبرياء، النائي عن العيون لشدة جماله المخفي عن الأنظار لفرط نوره ،فلم تراه العيون بمشاهدة العيان ،ورأته القلوب بحقائق الإيمان ،ثم أشرف الصلوات وأمنى البركات على المبعوث من تهامة المظلل بالغمامة ،صاحب الشفاعة يوم القيامة .أول الأنبياء نورا وآخرهم ظهورا ،الأحمد من الأوصاف ،والمحمد لسائر الأشراف المغموس في بحر الفضائل ،والملبس حلل المفاخر .أعلموا عباد الله :إن الله تعالى جلت عظمته خلق الخلائق ـ وهو غني عن خلقهم لا لغاية إلا ما أشار إليها في مكنون كتابه ،حيث قال جل جلاله ((وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)) (سورة الذاريات الأية 56). فالعبادة غاية الخلقة والتكوين ، وفي حد ذاتها وسيلة للقرب إلى الكمال المطلق والذات الأحدية المتعالية .ومن هنا كان قوله عز من قائل في حديث قدسي "كنت كنزا مخفيا فأردت ان اعرف فخلقت الخلق لكي أعرف" .ومع الجمع بين الآية والحديث القدسي نخرج في هذه الحصيلة النورانية الملكوتية ،وهي أن العبادة الحقيقية ليست حركة الأبدان وسكنتها فحسب ،إنما هي معرفة الله حق معرفته ،وعبادته حق عبادته ،كما جاء في الأثر " تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في الله فإنكم لن تقدروا قدره ".وأما دون ذلك فإن الله سبحانه وتعالى لم يحجب الخلائق عن وجوب معرفته ،بل كلفهم ذلك كل حسب قابليته وطاقاته واستعداده .وأعلم أن أفهام الناس وعقولهم متفاوتة في قبول مراتب العرفان والتصوف وتحصيل الاطمئنان كما وكيفا ،شدة وضعفا ،سرعة وبطئا حالا وعلما ،كشفا وعيانا ،وإن كان أصل المعرفة فطريا إما ضروري أو يهتدي إليه بأدنى تنبيه فلكل طريقة هداه الله عز وجل إليه إن كان من أهل الهداية .ولا بد الإشارة هنا إلا هناك فرق بين العلم وبين العرفان والتصوف


* العلم طريقا لله

فالعلم هوعلى ذات الشيء وأما العرفان والتصوف هو العلم بأثار الشيء ومصادقيه ،أوهو إدراك الشيء بفكر وتدبر ،وهو أخص من العلم وضده الإنكار ،وكما قالوا في معنى العرفان "إنه تطبيق الصورة الحاصلة في المدركة على ماهو مخزون في الذهن ،ولذا قبل أنه إدراك بعد علم سابق ".يقول العرفاء والمتصوفة :أن الإنسان يشعر على الدوام بالنقص والاحتياج وبفطرته الأصيلة يميل إلى من يسد نقصه إحتياجه ، ولجبران هاتين النقيصتين نحو الكمال ،هذه الحركة المعنوية الباطنية والذاتية الخفية التي تنشأ في روح الإنسان وقلبه وترتقي بهما إتجاه الذات القدسية وكل الكمال تعرف بالسير والسلوك إلى الله ...فالسلوك هو طي الطريق للوصول إلى لقاء جمال ذي الجمال المطلق ،والسير هو مشاهدة أثار وخصائص المنازل التي يطويها السالك منلا بعد منزل، والمرتبة بعضها على بعض ، وكلما يطوي منزلا يرقى إلى الجمال أكثر فأكثر ، حتى يصل إلى أوج الجمال وهو مقام الإنسان الكامل وعلى هذا فمبدأ التصوف والسلوك إلى الله هو النقص والاحتياج الفطري ،كما قال سبحانه وتعالى والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا )) (سورة النحل أية 78) ومنتهاه جناب الحق المنزه عن كل نقص ((وإن إلى ربك المنتهي )) (سورة النجم أية 42 ).ولاشك ان الجذبة الإلهية والنفحات الرحمانية هي التي تدفع الإنسان إلى التعرف على عوالم الغيب وكشف حقائق عالم الوجود .فحينما خلق الله العباده ـ وهو ذو المنََ القديم ـ هيأ لهم السباب والعلل ليُقيض عليهم من شمائل الطاقة الغيبية ونسائم نفحاته القدسية ،التي تهب عليهم بين حين وأخر ،كما قال سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم "إن لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها ".فعلى العبد أن يقف في مهب تلك النسائم والأطياب والإلهية ،ويشد رحله للسير فيها والسفر إلى الله تعالى ،حتى يسلك به إلى لقاء مبدأ القيض الأزلي والوجود السرمدي.ولما كان التصوف والمعرفة والعرفان وسيلة السلك إلى الله في السير والسلوك إلى حظيرة القدس ورياض الأنس ،فلا بدمن تجرد القلب والروح من مظاهر الطبيعة المادية وكدوراتها،وتطهير النفس من علائق الدنيا الدنية وشوائبها والتخلص من الآنية والأنانية والآثار الوجودية شيئا فشيئا ،والدوام في جهاد النفس ومراقبيها ومحاسبتها،ثم التزين بزينة الأخلاق والتحلي بحسنات الصفات،و العروج نحو التكامل المعنوي والسمو الروحي بالاستمداد من العون الإلهي والمدد الرحماني ،حتى ترفع الحجب الظلمانية الناشئة في النفس ،وتفتح من هذا العالم المادي منافذ تطل على ما وراء الطبيعة والعوالم العلوية والعقول المجردة عن المادة ،وتتصل الروح بأنوار الملأ الأعلى وتنال بذل المد ارج العليا في الكمالات،إلى أن يصل إلى مقام الفناء في الله ،فيخرق بصر قلبه حجاب النور ،يكون مظهرا من مظاهر تجليات الحق تبارك وتعالى ،وينتهي به المقام إلى روح الله ورضوانه والخلود في جنة لقائه .والسالك في سفره إلى الله تعالى يحتاج إلى شيخ ومرشد ودليل لكي يأخذ بيده ويرشده إلى الطريق المستقيم حينما تفترق أمام الطرق ،فينقذه من المتاهات والظلومات والوقوع في خطر الآفات.

* الأولياء الصالحين نفحات الله في الأرض

والمهلكات،ويكون في سبيل الله هدايته والوصول إلى مقصده ((والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سيُلنا)) (سورة العنكبوت ،اية 69) وخير الأدلاء على الله نور الله الأعظم النبي الخاتم الهادي البشير والسيراج المنير محمد بن عبد الله صلى عليه وسلم الذين قال فيه الله عز وجل (( قل إن كنتم تحبون الله فإتبعوني يحببكم الله )) ( سورة آل عمران اية 31 )، ثم أولياء الله الصالحين والعلماء العاملين على إعلاءكلمة الحق وخدمة الأمة وحب الوطن وأبناء هذه المنطقة ضحوا لتبقى الجزائر وحدة موحدة من تائها لتائها من الشمال إلى الجنوب من تيزي وزو إلى تمنراست ومن تائها لتائها من الشرق إلى الغرب من تبسة إلى تلمسان لأنهم تشبعوا ولو بضميرهم الباطني بتراث عريق أصيل ،فأجداد البوبكرية منذ قدوم سيدي معمر بن العاليا من تونس مارا بتلمسان سنة 1370م فرسخ المذهب المالكي الذي كان يدرس آنذاك ببجاية عاصمة العلم ومازونة وتلمسان ومنطقة توات تلك القلعة الشامخة التي قاومت وناضلت من أيام سيدي عبد الكريم المغيلي بتمنطيط في القرن الخامس عاشر مرورا بسيدي أحمد بن موسى في منطقة كرزاز في القرن السادس والسابع عشر وصولا إلى زاوية سيدي محمد بن لكبير حديثا .ولعل سيدي سليمان بن بوسماحة ـ جد سيدي عبد القادر بن محمد المعروف بسيدي الشيخ ـ المتوفى في سنة 1535 م ببلدية بني ونيف ـلأحسن مثل للعلامة الكامل في مجال تخصصه علوم الحديث وكان فعلا المرجع الذي جمع بين الثقافة الإسلامية بالأندلس ـفقد إكتمل تكوينه بغرناطة التي غادرها قبل سقوطها بأشهر معدودات ـثم أصبح قاضي القضاة بفاس ثم فقيه المربي بمدينة فقيق عاصمة العبد الجبار ـ ليصبح اول مقدم للطريقة الشاذلية إشارة من شيخه سيدي أحمد بن يوسف دفين مدينة خميس مليانة هو مؤسس الطريقة أبو بكر علي بن عبد الله بن عبد الجبار الذي ينته نسبه إلى الحق بن علي كرم الله وجهه وليد مدينة سبتة بالمغرب سنة 1196 م والمتوفى سنة 1258 م بحميرة بأقصى جنوب مصر بعد إقامته بشاذلة بتونس وقد رفع راية الجهاد وساهم في تحرير القدس على رأس 10000 مجاهد ألهمهم الله بذكره والدفاع عن مقدساته ـ فقد جمع بين الشريعة والطريقة والحقيقة مثله ـمثل سيدي أبو مدين الغوث الذي بترت يداه وهو رافع راية الجهاد في سبيل الله ـ من شيوخ شيخه مولاي عبد السلام بنشيش دفين جبل

* سيدي الشيخ نموذجا للصوفية والجهاد

العلم الذي أمره بالتوجه إلى الشاذلية ،أبوالحسن صاحب 22 حزبا في التوسل والتلطف والتحصن والاستغفار والتجلي وما إلى ذلك يقول "لن يصل العبد إل الله ومعه شهوة من شهواته أو مشيئة من مشيئاته ولن يقتل هوى نفسه حتى يأخذها بالقوة وشدة المجاهدة إلى أن يذللها تذليلا ويرضها على نسيان ذاتها ،فيقف عند حد الذل إلى الله تعالى ..يعتبر سيدي عبد القادر بن محمد ( سيدي الشيخ ) ولد 1533 م وتوفي 1616 م المجدد الطريقة الشاذلية ـ فجعل من حزب الفلاح معتصر المختصر لأحزاب الشاذلية ــ فما رأيكم في ورد يبتدإ بتوكلت على الله ـ خاتمة إستغثنا بالله ، ولعلكم تجدون في كتاب خليفة بن عمارة سيدي الشيخ شخصية خارقة للعادة الذي تشرفت بمراجعة كتابه مقدمة له تاريخ هذا القطب الرباني ـ صاحب القصيدة التائية (الياقوية ) يكفينا فخرا أن الملك المنصور الذهبي (ملك السعدين ) كان من مريده .وإبنه الأمير زيدان كان يستشيره في أمور الفتوى والمراسلات بينهما لا زالت محفوظة إلى يومنا هذا وهي بحوزتنا .كفينا فخرا كان المفوض الأعلى في منطقتنا للباب العالي لقد جمع ببين نشر الطريقة من طنجة مرورا بفاس وفقيق وإقليم توات ...متزامن الحركة مع صديقه سيدي أحمد بن موسى الكرزاي ـإلى تلمسان ، وهران ،ضواحي العاصمة الجزائر ..كرس حياته في جمع الكلمة ،و تربية الأجيال وحل مشاكل الناس بالكلمة والموعظة الحسنة .حفز مريديه على الجهاد توفي رحمه الله شيخنا وهو إبن 85 سنة متأثر بجروحه في 1616 م /1025 هـ بمنطقة إستيتن ضواحي البيض ودفن في الحاسي لبيض الذي أصبح المكان بالأبيض سيدي الشيخ منذ ذلك الحين وعلى بعد 20 كم دفن سيدي معمر بن العالية في أربوات المذكورة في مقدمة العلامة عبد الرحمان إبن خلدون ، فالطريقة الشيخية نموذج حي الذي جمع بين الشيخ المربي والمجاهد الفعلي الذي يحمل عقيدة حب الوطن من الإيمان فدفاعه عن وهران مع بعد المسافة كانت شغله الشاغل ( وهران كانت مستعمرة إسبانية من 1509 م إلى 1780 م) تم تحريرها في ما بعد على يد الداي محمد الكبير داي معسكر وفي سنة 1864 م إنطلقت وبالتحديد في 10 رمضان من تلك السنة قريبا من هنا ــ في سيدي الحاج الدين قرب مدينة بريزينة انطلاق ثورة أولاد سيدي الشيخ الأولى التي تلتها في سنة 1881 الثورة الثانية على يد سيدي بوعمامة مجدد الطريقة الشيخية في القرن الثالث عشر هجري ، فسند الطريقة الشيخية الشاذلية وبحمد الله متواصلا مستمرا إلى يوم الناس من لدن مؤسسها في القرن العاشر الهجري سيدي الشيخ عبد القادر بن محمد مرورا بمجددها في القرن الثالث عشر هجري المجاهد سيدي بوعمامة جعلت من القيم الروحية والرؤية الوطنية مبدأ لها ...