3‏/12‏/2011

النعامة / إندثار الحلفاء وراء النزوح إلى الحواضر

ثروات هائلة تلك التي جادت بها الطبيعة ورسمتها على وجه الأرض، لتكون منبع خير ورزق للبشرية وما الحلفاء سوى صورة لهذه النعمة التي أضحى الاندثار يهددها بفعل الجفاف الذي عرفته المنطقة منذ سنوات وعوامل أخرى، والحقيقة أن ظاهرة التصحر زادت حدتها خلال السنوات الأخيرة وهي إحدى أهم وأبرز القضايا التي تواجه سكان المناطق السهبية في مصيرهم ومصير محيطهم المتعرض للتدهور المستمر، هذا الوضع بطبيعة الحال يؤدي إلى اختلال النظام البيئي وانهيار الدورة البيولوجية.

الحلفاء كانت تعد ثاني ثروة في ولاية النعامة بعد الماشية وذلك خلال السبعينيات إذ كانت تغطي مساحة 413000 هكتار وقد ظلت الى غاية الثمانينات تمثل الحرفة المكتسبة إن لم نقل الحرفة الوحيدة لجل العائلات القاطنة عبر تراب هذه الولاية الشاسعة والمترامية الأطراف في إتجاه الجنوب والشمال ونخص بالذكر هنا: المشرية و عين بن خليل بوقطب، الكاف لحمر أين كان الرحل يتمركزون بسبب وفرة نبتة الحلفاء ونوعيتها الجيدة، أين كان البدو الرحل يقومون بقطفها وتحويلها إلى ورشات الشراء الخاصة والتي كانت موزعة أرياف الولاية وهنا كان المسؤولون على قيام الشراء يراعون أن الأماكن التي تتوفر بها النبتة أكثر هذه الأخيرة التي كانت بمثابة ثروة اقتصادية تدخل في صناعة الورق ومادة علفية للمواشي والحيوانات الأخرى كالبقر والإبل وتدخل أيضا في صناعة الأواني التقليدية التي كانت عبارة عن تحفة فنية ذات قيمة معتبرة وسط العائلات الجزائرية وحتى الأجانب حيث كانت تشهد تجارتها الاقبال الواسع من قبل السواح الذين كانوا بدورهم يقومون بنقلها الى ما وراء البحر كعربون للمرأة الريفية الجزائرية وما كانت تبدع من هذه النبتة من أواني للأكل والشرب وحتى الأفرشة، إنتاج صناعي كان يعود بالفائدة المادية وبالعملة الصعبة تارة على المرأة البوقطبية بصفة خاصة والبيضية بصفة عامة
هذه النبتة مع الأسف بدأت تأخذ طريقها نحو الزوال تحت وطأة عدة عوامل مثل الرعي المفرط والحرث العشوائي الذي كان سائدا في ذلك الوقت وبطريقة فوضوية مما أدى في نهاية المطاف إلى تدهور المجال السهبي وألحق أضرارا بالنباتات وعلى رأسها »نبتة الحلفاء« التي نحن بصدد الحديث عنها والتي كانت تغطي 412 ألف هكتار من المساحات السهبية لتصبح على مساحة 65 ألف هكتار فقط قابلة للاستغلال هذا الى جانب الآثار المدمرة من قبل الانسان إذ كان يوجد 1993429 رأس ماشية بل الرقم قد يزيد عن ذلك، هذا العدد كان يرعى على مساحة 5704440 هكتار عبر سهوب ولاية البيض ومع مر سنين الجفاف والذي أتى على الاخضر واليابس مما أفرغ جيوب الرحل نتيجة لكلفة الاعلاف وتقلص الثروة الحيوانية من الماشية وغيرها من الحيوانات - الضرورة الملحة التي أدت بجل الرحل إلى شد الرحال نحو مشارف مقر الولاية ومدن أخرى كبوقطب، الخيثر، توسمولين وبوعلام، وفي نفس السياق لقد سبق وأن تحدث الخبير في علوم الأرض والبيئة السيد مبخوت محمد في حديث صحفي عن انقراض الحلفاء وعن أسبابها ومسبباتها الكثيرة ولم ينف ما يزعمه الموالون هناك، مضيفا أنه قد تكون من بين الأسباب التي أدت إلى زوال مادة الحلفاء بذات الجهة المعروفة بطابعها الرعوي مبرزا لنا عوامل ساعدت في اختفاء هذه النبتة التي تعتبر أساسية ويعتمد عليها السكان في حياتهم اليومية وتعد عامل استقرار بالمنطقة والتي تتمثل في حرق الأراضي التي تنمو فيها الحلفاء الأمر الذي يجعلها لا تنبت مجددا فضلا عن قطفها بطريقة غير صحيحة أي قطعها في المنتصف بينما يجب كما قال إقتلاعها بسرعة خاطفة، لاسيما وأن بذورها قد لا ترى حتى بالعين المجردة وإنما يستعمل المجهر لهذا الغرض هذا فضلا عن جفاف الجهة التي كانت تعتبر من أهم المناطق الرعوية في الجزائر الأمر الذي جعل مادة الكلأ تختفي كلية، ما دفع بالأغنام إلى تناول الحلفاء وهذا منذ سنوات السبعينيات مذكرا في حديثه أن حلفاء البيض استخدمها الانجليز ولأول مرة في العالم لصناعة الورق، موضحا بأن هذه المادة تتركز في أعلى المناطق الرعوية لتليها في الوسط مادة السناغ الذي يعتبر هو الآخر صنف من أصناف الحلفاء، ليحتل الشيح المنطقة السفلى هذا إلى جانب الزوابع الرملية الهوجاء التي لازالت تجتاح المنطقة خاصة في فصلي الربيع والصيف رغم ما صرف من أموال باهظة تعد بالملايير تخص التشجير والأحزمة الخضراء والاغراس العلفية الى جانب عملية تهيئة الطرقات الغابية والمسالك بالنسبة للرحل والمحميات كل هذه المشاريع مست ولازالت تشهد أرياف وقرى وعلى مدى مساحة الولاية، وقد أعطت ثمارها حيث أعيد الاخضرار بالمناطق المتواجدة بها هذا وحسب البدو الرحل فإن نبتة الحلفاء بدأت تظهر على وجه الأرض خاصة وسط المحميات وعليه يبقى من الضروري المحافظة عليها وخلاصة القول أن الحلفاء كانت تنقل من النعامة وبوڤطب بعد إعدادها على شكل حزم إلى مصنع بابا علي بالعاصمة لتحول هناك من خام إلى ورق خاص بالكتابة