5‏/12‏/2011

في دراسة للباحث مصطفى مقدم ........علم الأجداد تفوق على عولمة الأبحاث


دراسة حول الحسابات المناخية والتقاليد الفلاحية:

يعتبر الأستاذ الباحث مقدم مصطفى من مدينة المشرية واحد من القلائل الذين يمضون معظم أوقاتهم للبحث والتنقيب عن تاريخ المنطقة وعاداتها ويمتلك في خزائنه أرشيف ثري. هذا نص من مجموعة نصوص مقتبسة من وثائق غربية، فرنسية على وجه التحديد حصلنا عليها لرحالة زاروا المنطقة وتجولوا فيها وسجلوا ملاحظات عن مشاهداتهم وأخبار استقوها من سكان المنطقة خلال رحلاتهم في أعمال تعتبر من مصادر تاريخ الجزائر وقد تكون لها أهميتها لدى المؤرخين الذين يقدرونها حق قدرها. وحسب الباحث مقدم مصطفى فان للتقاليد الفلاحية والرعوية حسابات مناخية كان ولازال الآباء والأجداد بالمنطقة يتعاملون بها رغم العولمة وتأثيراتها. ويضيف أن معظمنا حين كنا صغارا، كان يسمع من والديه ومن كبار الناس في مدينتنا عندما يتكلمون عن فصول السنة المختلفة وعن التقويم الزمني في فصل الشتاء أو فصل الصيف أو الفصول الأخرى بقولهم تارة عن بداية سعد الذابح أو بولع أو سعد السعود أو سعد الخبية أو الصمايم أو عنصره أو غيرها من التسميات المختلفة. وغالبا هذه الدلالات كانت للتعبير عن شدة البرد او بدء الدفء او بدء تبرعم الأشجار أو بدء الحرارة أو شدتها.

و كثيرا منا كان يكتفي بالسمع دون معرفة ما هي قصة هذه السعود وما أصل تسميتها. و مضت السنون وحاولت أن أتقصي سر هذه المسميات فلم أجد ما يشفي فضولي وظننت في بداية الأمر بأن لها علاقة بالتاريخ الأمازيغي على مستوى المغرب العربي وبالتقويم الذي كان معتمدا وقتها. غير أنني لم أجد ما أدلل به على ذلك ثم ظننت ثانية بأن لها علاقة بالتقويم الجولياني أو الغريغوري المعتمدة لدى المسيحيين وانتقلت إلينا عن عبر فترات الإستعمار القديمة (الروماني، الوندالي، البيزنطي... الخ) التي مرت بها الجزائر ودول المغرب العربي غير أنني لم أجد فيه ضالتي هو الآخر. ثم شاء الله أن أزور معرضا للكتاب أقيم في مدينتي فاقتنيت منه كتابا لفت عنوانه انتباهي و شدني إليه و كان يؤرخ لمنطقة من مناطق الجنوب الغربي الجزائري. وبعد قراءته تعرفت على الفترات الزمنية لهذه السعود و لم أتوقف عند هذا القدر بل سعيت للاستزادة من البحث والتحقيق حتى أحصل على التفاصيل و يتبين لي بعد ذلك الخيط الأبيض من الخيط الأسود فكان ما خلاصته:

1 ـ ما هو متداول في الجزائر:

الشتاء يحل دائما يوم 29 نوفمبر و كل الفصول تحل في اليوم الذي يحل فيه الخريف كأن يكون الخريف يوم الجمعة فبقية الفصول تحل في هذا اليوم و هم يكبسون السنة إذا كان حلول الخريف يوم السبت لمخالفة سبت اليهود و يتطيرون من ذلك.

الشتاء مقسم إلى سبع ( 7) مراحل كل مرحلة تسمى سعدا وعدد أيام كل مرحلة (سعد) 13 يوما، نذكر هذه المراحل حسب التسلسل و حسب عادة كل مرحلة:

1 ـ سعد الشولة: تأخذ أربعة أيام من نهاية الشهر الأخير للخريف و يقال عنها ((إذا جاء المطر في الشولة وجد المطاير للعولة)). أي أن المحصول الزراعي يكو ن وافرا .

2 ـ النعامة: يحل في اليوم السادس منها شهر دجنبر و هذا الشهر يدعى شهر الإضاءة ذلك لأنه يعتقد أنه في ليلة من ليالي هذا الشهر يأخذ الماء قوام الدم لذا وجب فحص الماء ليلا بالإضاءة قبل شربه كما يتجنبون تناول ما يتبقى من وجبة العشاء صباحا و تمنع الحراثة في هذه الفترة

3 ـ البلدة: يقال عنها (( تزيد في البرد شدة و في الليل مدة و في الكرش نفدة )) أي يشتد البرد في هذه الفترة و تزيد مدة الليل على حساب النهار و تزيد الحاجة إلى الغذاء لأن الكائن الحي يصرف طاقة في حماية الجسم من البرد.

4 ـ الذابح: يحل رأس السنة الفلاحية ليلة الحادي عشر منه و في هذه الليلة يحتفل بها بتحضير وجبة من خليط الحبوب الجافة و السمن و يقتلع عن عادة إضاءة الماء ليلا.

5 ـ بولاع: يقال عنه (( إذا مات بولاع مات الشتاء قاع )) إذ يصل البرد إلى أقصاه في هذه الفترة.

6 ـ سعد السعود: يقال عنه: (( يجري الماء في العود )) أي العصارة تجري في أوعية الأشجار بعد أن كانت في سبات (( الكمون )).

7 ـ سعد الخباء: يقال عنه: (( سعد الخبية نفاض الضبايا ما تبقى حاجة مخبيه )) أي في هذه الفترة يستنفد الفلاحون عولة العام الماضي كما أن الكائنات الحية التي كانت في البيات الشتوي تخرج جميعا لأن الجو يتحسن و يقترب موعد الربيع ثلاث أيام أفراق بين الفصلين .

ـ و غالبا ما يسمع الرعد في هذه الفترة ذلك لأن الرعد نادرا ما يسمع في فصل الشتاء.

ـ حمرة السماء صباحا تدل على أن الحالة الجوية تكون رديئة بخلاف حمرتها مساءا.

ـ يوم الحادي عشر من الربيع يدعى السبعة أو الحسوم و هي سبعة أيام غالبا ما يشتد فيها البرد و العواصف

ـ أقصر أيام السنة هو يوم 8 دجنبر الموافق ل 21 ديسمبر و منه الرجوع الشتوي.

ـ الليالي الموتى: مدتها 40يوما أي 20يوما بعد العام الفلاحي و 20 يوما قبله.

ـ و تأخذ أربعة أيام من سعد السعود لذا يقال (( أربعة سود في سعد السعود )) كما أن الفترة تتميز بالكمون الأقصى حتى يقال عن الزراعة (( حرث الليالي الأول مثل التالي )) أي التطور النباتي و الإنبات لا يحصل في هذه الفترة لأن درجة الحرارة الملائمة غير متوفرة.

ـ يوم 25 في الربيع و يوم 25 في الخريف يحصل الاعتدال بين الليل و النهار و موضوع بزوغ الشمس في هذه الفترة هو تحديد لاتجاه القبلة.

ـ إذا أزهرت أشجار المشمش هذا يدل على الدخول الحقيقي للربيع لهذا يقال: (( كذب اللوز و صدق المشماش، كذب الشيب و صدق التكماش )) . أي أن إزهار اللوز يتقدم فهو لا يدل على دخول الربيع كما لا يدل الشيب على كبر السن بعكس تجاعيد الوجه.

ـ دخول الصيف يوم 16 ماي

1 ـ الصمايم: هي فترة تقدر ب 40 يوما، 20 يوما صيفا و 20 يوما خريفا و نهب في هذه الفترة رياح الشهيلي ((السموم )) .

2 ـ يوم عنصره: يكون يوم 37 من الصيف و كل النباتات الحولية تجف، يجمع الفرحون أغصان من النباتات الخضراء المتوفرة و تحرق و رمادها تزين به أحسن شاة موجودة في القطيع.

ـ غشت: يقال تنشأ به نواة البرد كما يبتدئ تشكل الجنين في البيضة و يرون أن برد هذه الفترة ضار فيقال: (( ضربة بالسيف ولا برد الصيف)).

ـ آوس: في شهر غشت يقال عنه ((حيطك لا تمس وولدك عس)) أي أن العقارب يشتد أذاها في هذه الفترة و تؤدي لسعاتها للموت. لذا ينصح من عدم الاقتراب من شقوق الجدران و يجب حراسة الأولاد الصغار من ذلك.

ـ أما اختيار العام المقبل فهم يترصدون طلوع بعض الكواكب التي تدل على حال العام القادم. و من أيام عنصرة الثلاثة يترصدون العام القادم فيقال: ((العام يبان من خريفه وأيام عنصره يوروا )) أي إذا كان الجو غائما و به أمطار و رطوبة في هذه الفترة فالعام المقبل يكون جيدا.

ـ وضعية الهلال: إذا كان جالسا فستكون بعض أيامه ممطرة.

ـ هجرة الجراد: إذا حل الجراد بموضع فإن العام الذي يلي حلوله يكون جيدا.

ـ الصقيع: عام الجليد أحرث و زيد.

ـ الضباب: عام الضباب أحرث وهاب.


الحكاية الخرافية المتصلة بها أن رجلا يدعى سعد، كان في طريقه للسفر فنصحه أبوه أن يتزود بفراء وقليل من الحطب اتقاء لبرد محتمل، فلم يسمع لنصيحة أبيه ظانا أن الطقس لن يتغير كثيرا أثناء رحلته، وكان دافئا في ذلك الوقت. ولكن ما أن بلغ منتصف الطريق إلى حيث يقصد حتى اكفهرت السماء وتلبدت بالغيوم وهبت ريح باردة وهطل مطر وثلج بغزارة ولم يكن امامه سوى ذبح ناقته و هو كل من يملك , حتى يحتمي بأحشائها من البرد القارص. لذلك ذبح الناقة (سعد الذبح) و بعد أن احتمى في أحشائها من البرد , دب الجوع في سعد و لم يجد أمامه سوى أحشاء الجمل و لحمه للأكل و هكذا كان (سعد البلع) و هذا بعد أن انتهت العاصفة و ظهور الشمس خرج سعد فرحا من مخبئه وفرحا بكتاب الحياة مجددا بسبب ذكائه (سعد السعود ) و حرصا منه على متابعة طريقه دون مشاكل قام بصنع معطف له من وبر الناقة و بحفظ زادا له من اللحم المتبقي من الجمل بواسطة الثلوج أو طرق قديمة تقليدية لذلك و هكذا كان (سعد الخبايا).


ـ علاقتها بالتقويم الهجري

ولكل هذا علاقة مباشرة بالتقويم الهجري و ما يسمى منازل القمر.

ومنازل القمر هي مجموعة النجوم التي يقطعها القمر في دورة له تامة حول الأرض في 28 يوماً. ويرجع القمر عند تمام هذه الدورة إلى النجم نفسه الذي اتخذه أصلاً لحركته. وعدد منازل القمر 28 منزلاً ينزل القمر كل ليلة بمنزل منها من أول ليلة يهل فيها إلى أن يكمل 28 ليلة.

و منازل القمر هي:

1- الشرطين 2- البطين 3- الثريا 4- الدبران 5- الهقعة 6- الهنعة 7- الذراع 8- النثرة 9- الطرف 10- الجبهة 11- الزبرة 12- الصرفة 13- العواء 14- السماك 15- الغفر 16- الزبانا 17- الإكليل 18- القلب 19- الشولة 20- النعايم 21- البلدة 22- سعد الذابح 23- سعد بلع 24- سعد السعود 25- سعد الأخبية 26- المقدم27-المؤخر28-الرشا


ثلاث وحدات للتقويم

التقويم هو الطريقة التي يستخدمها الإنسان لضبط الوقت. ويتكون التقويم عادة من ثلاث وحدات رقمية تمثل ثلاث فترات زمنية هي اليوم والشهر والسنة. ومن الواضح أن الظاهرة التي تفيد لهذا الغرض هي الظاهرة التي تتكرر بفترات متساوية، أي الظاهرة الدورية. ولكنه من الصعب معرفة هل الفترة ثابتة أو متغيرة إلا بالمقارنة بين عدة فترات ليتبين لنا عندها مدى الثبات النسبي لهذه الفترة.

وفي الحقيقة أن التقاويم أنواع عديدة من الصعب ذكرها في هذا المكان. ولكثير من الأمم تقويمها الخاص بها سواءً كان شمسياً أو قمريا أو خليطاً بينهما أو ربما قمرياً نجمياً أي طبقاً لمنازل القمر. وتختلف أيضاً في أمور أخرى مثل: طريقة الكبس، ومتوسط طول السنة وعدد الأشهر وغير ذلك.

جاء في كتاب صبح الأعشى لأحمد بن علي القلقشندى الجزء الأول الصفحة 13 إلى 115

أن نجوم منازل القمر التي ينتقل فيها القمر من أول الشهر إلى الثامن والعشرين منه وهي ثمان وعشرون منزلة يداخل أكثرها صور البروج عشر المتقدمة.

1 ـ الأولى الشرطان والشرطان تثنية شرط وهو العلامة كأنه سمي بذلك لكونه علامة ً على طلوع الفجر عند طلوعه وتسمى أيضاً النطح والناطح لأنها عند أصحاب الصور قرنا الحمل وهما كوكبان نيران بينهما قاب قوسين أحدهما في الشمال والآخر في الجنوب إلى الجانب الجنوبي ومنها كوكب ألطف منه يعد معه أحياناً ولذلك يسمي بعضهم هذه المنزلة الأشراط على الجمع لا على التثنية وهذه الثلاثة الكواكب إذا ظهرت في المشرق كأنها مقلوبة منكسة وواحد منها أحمر مضيء وتحته آخر خفي والثالث في الشمال وهو أحمر مضيء.

2 ـ الثانية البطين تصغير بطن وإنما صغر فرقاً بينه وبين بطن الحوت الآتي ذكره في جملة المنازل والبطين ثلاثة كواكب مثل أثافي القدر: وهي الشكل المثلث الذي ينصب عليه القدر عند الطبخ وهي على القرب منها في موضع بطن الحمل من الصورة وواحد منها مضيء واثنان خفيان والخفيان يطلعان قبل المضيء.

3 ـ ـ الثالثة الثريا ويسمى النجم علماً عليها وبه فسر قوله تعالى:" والنجم إذا هوى" وهي ستة أنجم صغار يظنها الناظرين سبعة أنجم وهي في شكل مثلث متساوي الساقين وبين نجومها نجوم صغار جداً كالرشاش ومطلعها إلى الشمال عن مطلع الشرطين والبطين وأول ما يطلع منها ويغيب هو الجانب العريض دون الأفخاذ منها وهي عند أصحاب الصور بالقرب من محل ذنب الثور المقطوع.

قال ابن يونس: وليست من صورة الثور وبعضهم يسميها ألية الحمل لقربها

4 ـ الرابعة الدبران ويسمى تالي النجم لكونه يطلع تلو الثريا وربما سمي حادي النجم لذلك ويسمى أيضاً المجدح وعين الثور وهذه المنزلة سبعة أنجم تشبه شكل الدال واحد منها مضيء أحمر عظيم النور واسم الدبران واقع عليه في الأصل ثم غلب عليه وعلى باقي المنزلة.

هذه الكواكب السبعة عند أصحاب الصور هي رأس الثور وأول ما يطلع منه طرف الدال ويكون رميها إلى الجنوب وفتحها إلى الشمال والكوكب الأحمر المضيء هو آخر ما يطلع منها والعرب تقول للكوكبين القريبين منه: كلباه والباقي غنمه وربما قالولك قلاصه ويقولون في خرافاتهم: إن الدبران خطب الثريا إلى القمر فقالت: ما أصنع بسبروت فساق إليها الكواكب المسماة بالقلاص مهراً فهربت منه فهو يطلبها أبداً ولا يزال تابعاً لها ومن ثم قالوا في أمثالهم: أوفى من الحادي وأغدر من الثريا.

5 ـ الخامسة الهقعة سميت بذلك تشبيهاً بدائرة تكون في عنق الفرس وقد مر القول عليها في الكلام على أوصاف الخيل وهي ثلاثة كواكب محابية صغار تسمى الأثافي وهي على أعلى القدم اليسرة من التوأم المعبر عنه بالجوزاء.

6 ـ السادسة الهنعة وهي خمسة أنجم على شكل الصولجان أربعة منها على خط مستقيم الثالث منها يسمى قوس الجوزاء والخامس منعطف إلى جهة الجنوب مقدار شبر في رأي العين وسميت هنعة لانعطافها أخذاً من قولهم: هنعت الشيء إذا عطفته وبعضهم يسميها التحية وهي عند أصحاب الصور خلاف لأحد التوأمين المعبر عنهما بالجوزاء يقال: الهنعة قوس الجوزاء يرمى بها ذراع الأسد وقائل ذلك يزعم أنها ثمانية أنجم في صورة قوس من مقبضها النجمان اللذان يقال لهما: الهنعة وبعضهم يقول: إن الهنعة كوكبان مقترنان الشمالي منهما أضوؤهما وحذاءهما ثلاثة كواكب تسمى التحايي ربما عدل القمر فنزل بها.