20‏/9‏/2013

الدكتور بلية بغداد : السعفة الذهبية.. من “حامينا” إلى “كشيش”


الجزائر نيوز يوم: الاثنين 16 سبتمبر 2013 م، الموافق لـ 11 ذو القعدة 1434 هـ

السعفة الذهبية.. من “حامينا” إلى “كشيش” 
الاثنين, 03 يونيو 2013 17:24

السينما الفرنسية تتباهى اليوم بفوز أحد مخرجيها عبد اللطيف كشاش ، وفيلمه “حياة أديل” بالسعفة الذهبية لمهرجان “كان” السينمائي الـ 66. ورغم أن انتماء المخرج الثنائي بين فرنسا وتونس إلا أن الفيلم الفائز فرنسي الهوية والقصة والطاقم الفني. وحين سلم السعفة الذهبية أشاد المخرج بالربيع

العربي في تونس، لكن للأسف فإن الفيلم يعالج ربيعا جنسيا وليس ربيعا عربيا. وهذا يدفعنا إلى القول بأن السينما الفرنسية لها تأثير كبير على المخرجين المغاربة المقيمين فيها، وأن أغلبهم لن يستطيع تجاوز أطروحة مشاكل المهاجرين التي أضحت مملة بالنسبة للمشاهد الغربي إلا بالاندماج الكلي في المجتمع الفرنسي وخصوصياته الثقافية.



وهكذا لم نتوهم لحظة أن فيلم رشيد بوشارب “بلديون”، كان سيحصل على السعفة الذهبية لمهرجان “كان” رغم انتمائه الفرنسي والسبب كان بلا ريب انتماءه المغاربي من حيث أبطال الفيلم ومصيرهم التاريخي.

قبل ثمان وعشرين سنة، تحصل مخرج جزائري على السعفة الذهبية نفسها أي سنة 1975، كان المخرج هو محمد لخضر حامينا والفيلم “وقائع سنين الجمر”، ووقعت الحيرة حينها في نفوس النقاد والصحفيين الجزائريين أمام الحدث مثلما نقف حائرين أمام حدث مشابه، وبعدها واجه المخرج لخضر حامينا نقدا لاذعا من طرف بعض الصحفيين والكثير من السينمائيين الجزائريين.

الشيء الإيجابي في ذلك الحدث الفني أنه فتح نقاشا عميقا حول مصير السينما الجزائرية ورؤاها الفنية، في زمن لم يمر على استقلال البلاد أكثر من عقد من الزمن، فكانت النقاشات العميقة وفي بعض الأحيان العنيفة حول أهمية السينما في بلادنا، ومختلف التيارات والتوجهات التي تخدم المجتمع والثورة والفن، والآن وبعد مرور خمسين سنة على استقلال البلاد انعدمت تلك الرؤى وتلاشت جل الأفكار.

كان فيلم “وقائع سنين الجمر” 1974، فرصة للمخرج محمد لخضر حامينا لكتابة السيناريو والإخراج معا، مما سمح له بتجسيد أفكاره على شكل واضح، ففي حين كان النقاد يرون في الفيلم ملحمة للشعب الجزائري، ظل المخرج ينفي الفكرة ويركز على رؤيته الخاصة للتاريخ، فهو يستقي أحداثه مما رآه عيانا في صباه وشبابه، وينقله للشاشة الكبيرة في صورة أنيقة.

«وقائع سنين الجمر هو طفولتي إلى غاية سن الخامسة عشر، فقد أمضيت خمسة عشرة سنة في قريتي، لم أغادرها أبدا.. لم أزيف الأحداث أبدا، فلا يمكنني الافتراء أبدا، حين أتكلم عن التيفيس فلقد عايشته، وحين أتكلم عن المجاعة لقد عشتها”.

وقائع سنين الجمر

يقع الخلط في الأذهان، فالفيلم ملحمة للشعب الجزائري بنظرة خاصة، وهذا لم يفهمه جل النقاد الجزائريين وكذا السينمائيين، فالنقاد رأوا في الفيلم تحريفا صارخا لتاريخ الشعب والثورة الجزائرية، فتصوير الجزائريين يتقاتلون حول منابع المياه صورة فظيعة بينت بشاعة المناظر وتزوير الوقائع التاريخية.

وبمجرد عرضه يلقى الفيلم معارضة قوية، إذ لا يمكن أن نتخيل طبقة الفلاحين خارج المنظور الأيديولوجي السائد في مرحلة السبعينيات، فتلك الطبقة ساهمت بقوة من أجل إنجاح الثورة والقضاء على المستعمر، بل كانت تشكل خطا أماميا للمقاومة والثورة، وهذا الأمر لا يمكن الطعن فيه، فإذا ما يعرضه المخرج غير مقبول أبدا.

ظلت تلك الأفكار سائدة إلى غاية زمن قريب، وظل المخرج ينفيها ما استطاع.

«أقول وأعيد، أنا لم أصور فيلما تاريخيا، فيلمي ما هو إلا رؤية شخصية للجزائر في تلك الحقبة التاريخية.. فيلم مثل هذا ذو التوجه التاريخي السياسي لا يمكن كتابته وعرضه بصرامة وموضوعية، لذا فقد أخرجته انطلاقا من ذاتيتي”.

تبقى تلك التبريرات غير معقولة في نظر الجميع، بالنظر إلى ميزانية الفيلم الكبيرة، في زمن القطاع العام، وهذا ما يبرر مواقف شديدة وعدائية في بعض الأحيان، إلا أن المخرج يدافع عن فيلمه بقوة، ويصرح أن طبقة الفلاحين التي يعرضها في فيلمه لم تكن أبدا بالشكل الذي يدعيه الكثير من المثقفين الجزائريين آنذاك، فقد كانت مهمشة وبائسة وهذا ما صوره الفيلم بواقعية جريئة.

«في تلك المرحلة لم يكن لدى الفلاحين وعي سياسي مثلما نراه في يومنا، كان هناك فيما أتذكر الآن اعتراض وثورة، ولكن موجهة من طرف المستعمر نحو القبلية. وإنه لمن ضعف التفكير أن نتخيل وجود مناضلين وأحزاب سياسية وطنية وصلت إلى مناطق بعيدة وقرى نائية بغرض التوجيه والإعلام السياسي، إن الحفاظ على شخصيتنا يعود أساسا إلى تربية آبائنا والطالب - معلم القرآن - والمناعة الاسمنتية مرجعها القرآن والإسلام”.

لم يخف يوما لخضر حامينا ميله إلى المحافل الدولية وما تجلبه من شهرة إلى صاحبها، فقد تحصل فيلمه الأول “ريح الأوراس” على جائزة أول عمل سينمائي في مهرجان “كان” السينمائي سنة بعد عرض الفيلم 1967، ثم حالفه الحظ سنة 1975 في المهرجان نفسه، إذ تحصل على السعفة الذهبية، وكان يأمل أن يتحصل فيلمه “ريح الرمال” على جائزة إذ عرض في المهرجان نفسه سنة 1983، ولكنه لم يلق استجابة من النقاد.

كان السينمائيون يظهرون كل مرة امتعاضهم من أعماله السينمائية المخالفة لأرائهم ونظرتهم للفن وهدفه في المجتمع الجزائري الحديث، وقد نشر الاتحاد الجزائري السمعي البصري بيانا يستنكر فيه السماح للسلطات بتمويل فيلم “وقائع سنين الجمر”، “فهو فيلم إشهاري يخفي حقيقة المجتمع الجزائري السائر في طريق النمو، كما يخفي بوسائله التقنية الحديثة المستوردة حقيقة السينما الجزائرية ووسائلها البسيطة التقليدية. فأفلام مثل الوقائع لا يرجو صاحبها إلا الشهرة في المحافل الدولية وليس خدمة السينما الجزائرية”.

يبدو أن النقاش حول فنيات الفيلم تحول إلى محاكمة للمخرج، وفي ردوده كان لخضر حامينا يصرح بتوجهه الفني، فهو يسعى من خلال أعماله السينمائية إلى بلوغ العالمية والتصنيف الإنساني الذي يسعى إلى تصوير الإنسان في خصوصياته لبلوغ الإنسانية الشمولية، فالإنسان الجزائري يتقاطع في معاناته وحرمانه وأحلامه مع كل إنسان في العالم، وتصبح الكاميرا أحسن وسيلة لتقريب الأفكار والأحاسيس بين المشاهدين في العالم.

«ما يعطي عظمة وجمال الفيلم هو ذلك التوجه الإنساني.. الواقعيون الحقيقيون فلاهيرتي ودوفيينكو ورونوار ودو سيكا يؤسسون أعمالهم على توافق الإنسان مع العالم.. أعتقد أن الأفلام الجيدة هي التي تتميز بإنسانيتها، شخصيا أحب الأفلام القوية بغض النظر عن جنسيتها أو أسلوبها، أحب الأفلام التشيكية الجيدة مثلما أحب الأفلام الأمريكية أو الإيطالية أو الفرنسية.. الأفلام الإنسانية هي الفن، والسينما هي الفن الراقي”.

بهذا يتجلى لنا ذلك الإصرار على مخالفة السائد والمعهود في الفكر والثقافة الجزائرية في مرحلة الستينيات أو السبعينيات، وهذا يبرر جزئيا طبيعة الأفلام التي أخرجها لخضر حامينا في تلك المرحلة.

ويتفق الجميع على قدرات المخرج لخضر حامينا السينماتوغرافية الخارقة، أي على المستوى الشكلي الجمالي، فهو بالتالي أحسن المخرجين الجزائريين، وأحد أبرز المخرجين في العالم العربي وإفريقيا.

أيام قلائل على عرض الفيلم الجديد للمخرج الجزائري أحمد راشدي “كريم بلقاسم” يجلي لنا التوجه الذي سار عليه المخرج منذ الستينيات أي بدايته الفنية، فقد كان ولا زال أحمد راشدي يقدس تاريخ الجزائر وبخاصة ما تعلق منه بحرب التحرير، فهي فترة مهمة من تاريخ الأمة، لذا وجب على العاملين في الحقل السينمائي أن يولوها عناية خاصة، فالسينما مرآة التاريخ.

«يجب على السينمائيين الجزائريين الاهتمام بأفلام الثورة، أما أفلام الواقع والراهن فلا يجب أن تحظى باهتمامهم إلا في وقت لاحق”.

فعلا سار أحمد راشدي على النهج الذي سطره سلفا، فبعد “الأفيون والعصا” يصور مسلسلا تلفزيونيا عن حرب التحرير “السيلان 1981”، ويعود إلى نفس التيمة بعد غياب طويل عن السينما ليصور فيلما تاريخيا عن المرحلة نفسها، واختار بطلا حقيقيا مقابل الأبطال الخياليين في أفلامه السابقة “مصطفى بن بولعيد” 2009، ولقي الفيلم نجاحا كبيرا حين عرض على ما بقي من قاعات سينمائية عبر الوطن، وبهذا ظل المخرج وفيا لأفكاره التي آمن بها منذ مرحلة شبابه وبداياته في الحقل السينمائي.

بين أول فيلم وآخره يظل أحمد راشدي يبحث عن ذاته، لم يحد أحمد راشدي عن أسلوبه التشويقي، ولم يتأثر بالأفكار الأيديولوجية السائدة في مرحلة السبعينيات وبداية الثمانينيات، وبهذا بقي من المخرجين الجزائريين الأوفياء لمبادئهم وأفكارهم وتصوراتهم الفنية.

المخرج أحمد راشدي

أحمد راشدي مثل محمد لخضر حامينا، لم يؤمن بالفكر الأيديولوجي السائد مع بداية السبعينيات، وظل وفيا إلى رؤيته الذاتية لوظيفة الفن السينمائي، المتمثلة في عنصرين اثنين هما صناعة أفلام لمشاهد عادي يتمتع بجمالية الفيلم، وليس أفلام الصالونات الموجهة للمشاهد المثقف (النخبوي) ولا يلتفت إليها الجماهير على تنوع مشاربهم.

«المقياس الوحيد للنجاح في نظري هو الجمهور، فإذا أقبل على الفيلم فهذا يعني أنه جيد”.

لقد دلت الأرقام على أن عدد المشاهدين في القاعات بلغ المليون في سنة أول عرض لفيلم “الأفيون والعصا” وهذا مؤشر واضح على جودة الفيلم وتميزه في مفهوم المخرج أحمد راشدي إذ لا يوجد إطلاقا فيلم دون جمهور.

ولقي الفيلم نقدا لاذعا عن الأسلوب المتبع في الإخراج وبناء الفيلم، الذي يذكر النقاد بالأفلام الأمريكية التي تعتمد الإثارة والمغامرة، وفي هذا الشأن لا ينكر المخرج تأثره بسينما عالمية ذات نوعية وجودة عالية، تجذب الجمهور لمتابعة الموضوع الخاص، أي موضوع الثورة الجزائرية العظيمة، فالنقد موجه إلى الشكل وليس إلى الموضوع فهو محلي، وقد يبلغ العالمية بشكل فني متعارف عليه عالميا.

جامعة سعيدة—بغداد أحمد