19‏/11‏/2010

أعراس النعامة بين الأمس واليوم



عادات اندثرت وتكاليف ارتفعت

يشير كبار السن بولاية النعامة إلى أن أعراس الماضي كانت أحسن بكثير من نظيرتها اليوم التي افتقدت حسبهم الكثير من عوامل التضامن الأسري والتكافل الاجتماعي اللذين كان يصنعهما الجيران والأقارب والخلان قصد إنجاح حفل العرس وتوفير كل مستلزماته.

ويؤكد هؤلاء أن أهم ميزت ميزت أعراس النعامة في السابق هي تظافر جهود الجميع من أهل وجيران وأصدقاء وخلان للترتيب لمراسيم حفل زواج أحدهم، حيث كان أهل العريس يغرقون بالهدايا المتمثلة في رؤوس الأغنام وحتى الماعز والسميد والزيت ومختلف أنواع المواد الغذائية، إضافة إلى المساعدات المالية ويذكر الأباء والأجداد أن الجيران والعائلة كانوا يجتمعون ليقدم كل واحد على حدى مساعدة مادية وهدايا معينة للعائلة المقدمة على تزويج ابنها لتجد نفسها في كثير من الأحيان أنها قد تحصلت على مساعدات تفوق تكاليف زواج ابنها وتتعداها خاصة إذا كانت العائلة معروفة ولها علاقات واسعة، وتكون هذه المساعدات عبارة عن دين تقوم العائلة برده مستقبلا إذا كانت قادرة وأحوالها ميسورة.
الخطبة لا تفوق الأسبوع
بعد التعارف والتقارب تتم الخطوبة التي تحدد بأسبوع قبل الزفاف وفيها يقدم أهل العريس للعروس جهازها (ملابس، أقمشة، مصنوعات تقليدية من الفضة أو الذهب’’ علاوة على بعض المنتجات كالحنة، البخور ولأن الحنة ضرورية في الخطبة فإن العروس تغطى ثم توضع لها الحنة على الكفين وأسفل القدمين على أنغام الطبل و الغناء و الصف ويتم ذلك ليلا بحضور كل الأهل والأقارب والجيران.
أعراس الماضي تستمر لسبعة أيام
يذكر آباؤنا أن أعراس الماضي وقبل 20 سنة كانت تمتد لغاية أسبوع كامل أي سبعة أيام بلياليها تقام فيها الحفلات والولائم ثلاثة أيام قبل موعد العرس وثلاثة أيام بعد العرس أي أن حفل الزفاف يبدأ من يوم الثلاثاء إلى غاية الثلاثاء من الأسبوع الموالي حيث تكون الأجواء حافلة بإقامة الولائم وتنظيم حفلات الزرنة ليلا، حيث يجبر الجيران وكافة سكان الحي على تناول وجبات الغذاء والعشاء في العرس. وتبدأ مراسيم الزفاف أثناء وقت العصر، حيث يتنقل أهل العريس إلى بيت العروس للحناء ويحملون معهم قفة تسمى لدى السكان بـ’’القفة’’ وهناك تصب الحناء في قصعة كبيرة تعجنها نساء كبيرات في السن ويلبسن العروس وتحني الفتيات الشابات ثم الأطفال فالعجائز بعدما تكون العروس قد انتهت منها. وفي الليل تنقل العروس إلى بيت العريس في الجحفة أو ما يطلق عليه ’بالهودج’’ ثم تعزل في خيمة من الشعر عن بقية الناس لمدة أسبوع ولا تنزل من الهودج إلا محمولة من رجل يقرب لزوجها فلا يجوز أن تمشي على قدميها بين الجمل والخيمة ويوضع معها في الخيمة طفل ذكر ولا يأتيها العريس إلا في ساعة متأخرة من الليل كما أنه لابد أن يخرج من الخيمة عند الفجر وهذا للذهاب إلى خيمة العرسان التي عادة ما يكون فيها أصحابه وأقاربه الشبان وهذا لمواصلة العرس ثلاثة أيام بعد الدخلة في جو الغناء والبارودو القصبة.
اليوم السابع ونهاية المراسيم
في اليوم السابع من الزفاف تحمل العروس إلى بيت الزوجية ولا تمشي وعند وصولها إلى البيت تضرب مسمارا في الأرض وتقول ’جايبة الأولاد وجايبة البنات’’ وهناك تقدم لها هدايا العريس ويستمر ضرب البارود، وأثناء الليل تعطى قلة للعروس تجلب بها الماء والحشيش وفي الصباح تكلف بطحن القمح وبعدها يدخل العريس فيتسابقان في من يضرب الآخر وذلك قصد قياس الأقوى وهي عادة يقول عنها الآباء والأجداد أنها تمثل مقياسا لنزع الحياء بين الزوجين.
شتان بين أعراس الأمس وأعراس اليوم
يحكي كل من حضر أعراس الماضي، أن أعراس هذه الأيام تنعدم فيها أدنى صور التضامن الأسري ويغيب تماما دور الجيران الذي كان في وقت سابق جد فعالا، فأصحاب العرس لا يجدون هذه الأيام مساعدة من طرف أهاليهم وأقاربهم وحتى جيرانهم وكل يعول على نفسه لإعداد مستلزمات واحتياجات العرس، كما عرفت أعراس اليوم انتشار ظاهرة الدعوات الفردية، وهذا عكس ما كان سائدا في السابق، حيث كان كل من يسمع عن وجود عرس في مكان ما يأتي ومعه هديته أو ما يقدر عليه، كما يروي هؤلاء أن أعراس الماضي كانت موعدا لتوحيد الصفوف وتصفية القلوب من الضغائن بين الجيران والأهل والأقارب إذ يجتمعون في العرس لمدة أسبوع كامل يأكلون ويشربون مع بعضهم البعض وهذا كفيل بتصفية الشجارات وكذا النفوس من الضغائن. أما أعراس اليوم فإنها لا تكاد تخلو حسبهم من المشاكل والشجارات بفعل انتشار الكثير من المظاهر السيئة والسلبية والدخيلة على عادات وتقاليد المنطقة كشرب الخمور التي كثيرا ما حولت الأعراس إلى مأتم حيث أضحت أعراس اليوم لا تخلوا منها إذ يشربها الجميع كبيرا وصغيرا خاصة الشباب منهم. هذا إضافة إلى غلاء المهور والتباهي بارتفاع أسعارها مما جعل العديد من الشباب يعزفون عن الزواج بسبب عدم قدرتهم على توفير المهور ليجد الشاب نفسه وحيدا في إعداد العرس وجمع تكاليفه لسنوات طويلة وذلك عكس الشبان في الماضي الذين يجدون الجميع في خدمتهم ومساعدتهم بدءا من العائلة مرورا بالجيران والأصحاب الشيء الذي جعل أعراس اليوم تختلف وبشكل كبير عن أعراس الماضي التي اندثرت مع ظهور عادات جديدة دخيلة قضت على معالم العرس القديم بنكهته وجماليته وبأيامه ولياليه السبعة ليحل محله عرس اليوم بمصاريفه الباهظة ومراسيمه المعقدة والمكلفة.

جريدة الأمة العربية /س.الحاج ابراهيم