3‏/12‏/2010

انتشار واسع لصناعة الجبس بالنعامة

تشهد حرفة صناعة الجبس واستعمالاته المختلفة في زخرفة وتزيين المباني إنتشارا واسعا بولاية النعامة تزامنا مع إقبال عشرات الشباب على إكتساب مهارات هذا الفن اليدوي بمراكز التمهين على غرار مركز »حضري محمد« ب »العين الصفراء« الذي يؤهل كل موسم تكويني ما يقارب 43 حرفيا في هذا التخصص كما علم من مدير المركز.ويعود إقبال الشباب على تخصص أشغال الجبس إلى النمو المتزايد لقطاع البناء بالولاية و توسع الحركة العمرانية ما جعل الجصاصين يتفننون في إنجاز نمادج لتشطيب فاخر للمباني بإستعمال منتوجات متنوعة الأشكال والزخارف لمادة الجبس وهي حرفة تعتمد على يد فنية ماهرة . وفي هذا السياق، استقدم مركز حضري محمد خلال الموسم التكويني الجاري - حسب مديره- مؤطرين يتميزون بالخبرة الواسعة والإعتماد على إنجاز النقوش الزخرفية لقوالب الجبس بطريقة يدوية تتيح إبداع أشكال جديدة تلائم الهندسة المعمارية ذات الطابع الصحراوي وتوحي بما تزخر به طبيعة المنطقة وتضاريسها دون الإعتماد فقط على القوالب الجاهزة أو تلك المستوردة من مناطق أخرى يضيف نفس المصدر. وتماشيا مع تكوين المزيد من المتخصصين في منتوجات الجبس وفنون البناء بواسطة هذه المادة إرتفع في السنوات الأخيرة عدد الورشات والوحدات الصغيرة المتخصصة في توفير مختلف أنواع كميات منتوجات الجبس لتحقيق الاكتفاء الذاتي من مواد البناء الضرورية المصنوعة من هذه المادة بالولاية .والجدير بالذكر ورغم التطور الصناعي في مجال البناء وغزو الاسمنت، إلا أن العديد من سكان منطقة النعامة ما زالوا يحافظون على صناعة الجبس المحلي كونه كان المادة الملائمة لطبيعة العمران العتيق الذي لا تزال آثاره قائمة في أطلال جدران وأسقف القصور العتيقة للمنطقة كقصري »مغرار« و»صفيصيفة« والقبب وأضرحة ومزارات أولياء الله الصالحين المنتشرة بالمنطقة التي بنيت بهذه المادة أيضا.وحسب رئيس جمعية حرفيي البناء والمعمار الأصيل بالولاية، فقد حبذ العديد من الشبان عدم ترك حرفة الأجداد وقرروا مواصلة مهنة الجصاصة القديمة الحديثة بالمنطقة بعد اختفائها لعدة سنوات لكونها شاقة وتتطلب جهدا كبيرا. ولعل الدافع إلى استعمال أهالي المنطقة لمادة الجبس في البناء منذ القدم يعود إلى توفر محاجر قديمة بالمنطقة، خاصة بحنوب »العين الصفراء« هي الآن غير مستغلة وكانت تستخرج منها المادة الأولية وهي حجارة الجبس التي تدعى »التافزة« بنوعيها الهش والحجري وكذلك تستخرج »الترشة« التي تستخدم لحرق حجارة الجبس بعد أن تجعل فوقها كومة الحطب والسبط (نوع من الأعلاف صحراوية شديدة الاشتعال) وفوقه كوما من الترشة حتى يصير شكله مثل القبة وتترك من الجوانب عارية ثم تضرم النار في تلك الجوانب فيشتعل الحطب وما معه وتصير الترشة بذلك جبسا.وقد استخدم هذه الطريقة أهل البادية أيضا في بناء الأحواض والسواقي والآبار فضلا عن »الكوشة« وهي فرن يشيد بالقرب من مقلع الحجارة وهي ذات شكل دائري له فتحتان إحداهما في الأسفل وهي مكان الموقد ويستخرج منه الجبس بعد الحرق والفتحة الثانية تكون كبيرة في الأعلى، وعند الانتهاء من عملية الحرق بواسطة الكوشة يستخرج الجبس و يوضع في مكان صلب ويضرب بقوة سواعد العمال بواسطة مهاريس كبيرة تسمى »الخباطة« فتحول الحجر إلى مادة الجبس الذي يشبه الدقيق المسحوق لكنه مخلوط بالرماد و أجزاء الخشب المحترق (الفحم). و يحدث هذا الخلط زيادة في الكمية وتخفيفا من شدة الجبس و قوته ليكون سهلا للاستخدام حسب نفس المصدر.وتحظى أنماط تزيين المباني بألواح الجبس المزخرفة التي يبدعها حرفيون محليون بإعجاب الكثيرين الذين أكدوا أن توفر اليد العاملة المتخصصة في هذا المجال يبقى ناقصا بالرغم من أن عدد المتربصين تجاوز الأربعين ممن استوعبتهم سوق البناء المحلية. وقد ساهم تنوع كيفيات إنجاز القوالب الجبسية واحتكاك جصاصي المنطقة بنظرائهم من ولايات أخرى كتلمسان وسطيف في خلق فن فريد ومتميز لبناءات المنتوجات الجبسية بالمنطقة والذي يمزج بين مختلف الأذواق والطبوع الفنية.ويعتمد الجصاص سيد علي بن زلاط وهو أحد نمادج حرفيي الجبس المعروفين بالمنطقة على استخدام الزخرفة المغاربية بعد أن تربص على يد صناع تقليديين بتلمسان يبدعون في نقش الأسقف وتزيين الأرضيات وتحف الخزف والرخام والخشب وغيرها. وقد انتقلت الصناعة التقليدية للجبس بمنطقة الجنوب الوهراني -حسب نفس المصدر- الى جل الورشات من صناعة تقليدية بحتة تعتمد على الأدوات والوسائل التقليدية إلى صناعة معصرنة تستخدم إلى جانب المحافظة على طابعها الأصيل والمميز أدوات و تجهيزات مبتكرة حديثا .ويقول »م. قدور« وهو مهندس معماري بمدينة المشرية بأن صناعة الجبس بوصفها سجلا مفتوحا لإبداعات الإنسان اختزلت تجارب وخبرات حضارات وشعوب أبدعت في استثمار الفضاء الذي عاشت فيه وحولت الكهوف والخيمة إلى منزل جميل مليء بالابداع لا يغيب داخله الجانب الجمالي . ويشير نفس المهندس، الى أن تفنن مبدعي البناء في إستعمال الجبس يظهر جليا من خلال نوافذ وأبواب ومداخل وزوايا وأسقف البنايات القديمة للقصور التي شيدت بالمنطقة بين القرنين ال 5١ وال 81ميلادي، حيث أنها جاءت متميزة في تخطيطاتها ورسوماتها وهندستها من منطقة لأخرى.

عن جريدة الوصل .....سلامي