3‏/12‏/2010

ظهور غير مسبوق لحرف صناعة الآلات الموسيقية بالنعامة


تعتبر صناعة الآلات الموسيقية العربية من أعرق الحرف على الإطلاق، وقد اشتهرت هذه الحرفة على يد الكثير من الفنانين المهرة بعدة مناطق من الوطن إلا أن أحد أحفاد هؤلاء الموسيقيين قرر نقل هذا التراث اليدوي الأصيل من منطقة مستغانم لتعليمه لحرفيين شباب بولاية النعامة ليكون ظهور غير مسبوق لهذا النوع من الصناعات اليدوية بالمنطقة، ويعد «سي المجذوب» -42 سنة- صاحب أول ورشة لتصنيع الآلات الموسيقية وعلى رأسها العود بالمنطقة ذلك أنها لم تشتهر منذ القدم سوى بصناعات حرفية يدوية ترتبط بمنتوجات التربية الحيوانية وتعتمد على مواد أولية كالصوف والجلود والطين والوبر وغيرها.

يعود الفضل في ذلك -حسب سي المجذوب- إلى جده الذي علمه هاته الحرفة التقليدية المتميزة أثناء عمله معه منذ عام 1979 وإلى غاية عام 1995 بمنطقة مستغانم ليؤسس مؤخرا ورشة خاصة له لصناعة الآلات الوترية بـ «المشرية»، ويؤكد هذا الحرفي أن رحلته مع صناعة هذه الآلات بدأت منذ صغره بعدما أعجب بآلة العود وعشقها حتى النخاع لاسيما من خلال متابعته لحفلات وأفلام تلفزيونية بثت لموسيقيين عرب كبار أمثال «فريد الأطرش» و«محمد عبد الوهاب»، ويضيف الحرفي "ما إن بلغت سن الـ 16 حتى عملت في ورشة جدي الملقب بـ "الشنيويني" وخلال عملي معه وفي أقل من ثلاث سنوات قادني حماسي وتركيزي ومثابرتي إلى إتقان هذه الحرفة"، وعن العوائق والصعوبات التي تواجه هذا الفنان؛ قال «سي المجذوب» "المشكلة هي عدم توفر الخشب المطلوب لصناعة الآلة وهو قليل التواجد في الأسواق، أما أخشاب الجوز والفستق فهي موجودة ولكن بشكل قليل وبأسعار مرتفعة وأوتار الآلة أيضا هي مستوردة وأصلية كنوع «توماستك» النمساوي والألماني الصنع، إلا أن الأوتار غير الأصلية متوفرة بأثمان معقولة إلا أنها لا تؤدي النغمة واللحن الطربي المطلوب وبشكل الجيد الذي نبحث عنه"، وأضاف الحرفي الذي هو عازف وله عدة تجارب في صياغة النوتات النغمية الأصيلة المتناسقة، أن صناعة الآلات الطربية الأصيلة كالعود آخذة في التلاشي بسبب الغزو الذي تشهده الأسواق من طرف الآلات الموسيقية المستوردة وبأثمان تنافس السعر الذي يقترحه الحرفيون المحليون فضلا عن عزوف الشباب عن ممارسة هذه الفنون ليتوقف انتقالها من الآباء إلى الأبناء على امتداد الأجيال، والمبرر الذي تجده دائما هو عدم مردودية هذه الصناعات اليدوية وكلفتها الزائدة كما أنها تحتاج الكثير من الصبر والجهد والإتقان، وبالمقابل تطرح مشكلة أخرى تتمثل في تسويقها وترويجها في السوق المحلية، ويرى «سي المجذوب» أنه أصبح من الصعب جدا الحصول على الخشب المستخدم في صناعة الآلات الموسيقية والذي يستورد من مناطق بعيدة في العالم كالهند وكذلك غلاء ثمن الأوتار التي تستورد من أوروبا، كما أن مبيعات هذه الآلات آخذت في الانخفاض، ويقول أيضا "إنني أعمل بجد من أجل الحفاظ على تراثنا العريق واكتساب الخبرة والمهارة اللازمتين لعرض منتوج راق وذو أناقة وجودة عالية ليس من أجل المال فحسب "، وبالمقابل يواصل «سي مجذوب» فإن تراجع الطلب على الآلات الموسيقية التقليدية المصنوعة يدويا نتيجة تدني مستوى الذوق الفني والابتعاد على إنتاج بعض الطبوع القديمة والتقليدية للغناء الفولكلوري التي تستعمل فيها آلات كـ«العود والكمان والقمبرى والغايطة والطبل والطامطام» وغيرها، والسعي وراء الدخل السريع الذي توفره الألحان العصرية للأغنية الخفيفة حال دون تمسك حرفيو صناعة الآلات الموسيقية بهذا الفن.

خشب الجوز والزان والكرمة..

أشار «سي المجذوب» إلى أنه يستخدم أخشابا خاصة في صناعة الآلات الموسيقية تختلف عن أخشاب النجارة العادية ومنها خشب الجوز والزان والكرمة؛ حيث يستعمل في صناعة وجه الآلة خشب أحمر فقط يمتلك طراوة كبيرة يكتسبها من خلال وضعه في الماء لفترة طويلة، وفي المرحلة الأولى يقوم هذا الحرفي بنحت القالب وهو ظهر العود ويسمى أيضا «الطاسة أو السطلة» وبعدها يركب الوجه ثم الزند وبيت المفاتيح، وآخر مرحلة هي الطلاء وشد الأوتار دون أن ننسى أن الريشة التي تؤدى دور العزف والتي كانت تصنع في السابق من ريش الطيور هي الآن تصنع من البلاستيك، وتقاس المدة التي تستغرق في صناعة العود بمهارة الصانع حيث أن هناك من ينتهي من آخر روتوشات صقل العود خلال شهرين وهناك من يستطيع إنهاء ذلك في زمن أقل وآخر في أكثر من تلك المدة والعملية ليست مرتبطة بوقت وإنما بالمهارة فالصانع الممتاز ينجز العمل في وقت قياسي، وعن سعر هذه الآلة قال المتحدث أن لها أسعار مختلفة فالعود الممتاز المصنوع من خشب رفيع وذو جودة عالية ويحتوي على زخارف منقوشة بدقة متناهية يصل ما بين 7000 إلى 12000 دينار أي أن سعره مرتفع ذلك أيضا أن للعود أسراره الخاصة وذلك ما يحدد ثمن كل قطعة؛ حيث أن صنع أعواد باستخدام نفس المواد لا يعني أنها تتشابه كلها تماما في الأصوات واللحن الذي تؤديه، ويختتم هذا الحرفي حديثه بالقول أن الصبر والدقة عنصران هامان في صناعة الآلات الموسيقية وذلك كله مرتبط بحس مرهف وتناغم وتناسق بين الحرفي والآلة التي يصنعها فهي تعبر عن ما يختلج داخله من أحاسيس وإرهاصات، "فهاته الآلة -كما قال- بإمكانها إعطاءك كل شيء إذا كنت قادرا على التحكم فيها وهكذا فللموسيقى أسرار كما أن لها دور هام في الصياغة الفكرية للوعي الاجتماعي بمختلف أشكاله".

جريدة صوت الغرب ....سلامي