30‏/11‏/2011

نماذج لأسئلة المسابقات المتعلقة برتبة متصرف جديد 2011 جزء 1

مواد الاختبارات الخاصة بالمتصرفين للسنوات الماضية

تعليمة رقم38 مؤرخة في 02 أوت 2008 تحدد كيفيات تنظيم المسابقات الامتحانات و الاختبارات المهنية و البرامج المتعلقة بها للالتحاق بمختلف رتب الأسلاك المشتركة في المؤسسات و الإدارات العمومية.
رتبة متصرف (إمتحان مهني) :
1ـ اختبار في الثقافة العامة ، المدة ثلاث (03) ساعات ، المعامل : 02 .
2ـ إختبار إختياري في أحد الميادين التالية:
- القانون العام: القانون الإداري و القانون الدستوري،
- الإقتصاد و المالية العامة،
- المناجمنت العمومي،
المدة ثلاث (03) ساعات ، المعامل 03.
3ـ إختبار في التحرير الإداري ، المدة ثلاث (03) ساعات ، المعامل03 .

أولا : برنامج الاختبارات المتعلقة بسلك المتصرفين:
برنامج الاختبارات المشتركة بالنسبة لسلك المتصرفين رتب متصرف و متصرف رئيسي و متصرف مستشار:
1- اختبار في الثقافة عامة:
* مضمون الاختبار وغايته:
يتعين على المترشح التعبير في موضوع ذي طابع عام أو ذي علاقة بالقضايا السياسية، الاقتصادية، الثقافية أو الاجتماعية الكبرى للعالم المعاصر.
يجب أن يسمح الاختبار بتقييم ما يأتي:
-الثقافة العامة للمترشح أو مستوى تحكمه في قضايا الساعة الكبرى ،
- قدرته على وضع تفكير شامل،
- وجاهة طريقة التفكير و الأفكار المتناولة و هذا على ضوء الإشكالية التي يثيرها الموضوع و الرهانات التي يطرحها.
يمكن أن يتناول اختبار الثقافة العامة أحد المواضيع الآتية:


1 - العولمة و آثارها على البلدان النامية و أهم التحديات الراهنة ،

العولمة في اللغة تعني ببساطة جعل الشيء عالمي الانتشار في مداه أو تطبيقه. وهي أيضاً العملية التي تقوم من خلالها المؤسسات، سواء التجارية أو غير التجارية، بتطوير تأثير عالمي أو ببدء العمل في نطاق عالمي. شء. ولا يجب الخلط بين العولمة كترجمة لكلمة globalization الإنجليزية، وبين "التدويل" أو "جعل الشيء دولياً" كترجمة لكلمة internationalization. فإن العولمة عملية اقتصادية في المقام الأول، ثم سياسية، ويتبع ذلك الجوانب الاجتماعية والثقافية وهكذا. أما جعل الشيء دولياً فقد يعني غالباً جعل الشيء مناسباً أو مفهوماً أو في المتناول لمختلف دول العالم

أيضاً العولمة عملية تحكم وسيطرة ووضع قوانين وروابط، مع إزاحة أسوار وحواجز محددة بين الدول وبعضها البعض؛ وواضح من هذا المعنى أنها عملية لها مميزات وعيوب. أما جعل الشيء دولياً فهو مجهود في الغالب إيجابي صرف، يعمل على تيسير الروابط والسبل بين الدول المختلفة.
العولمة قد تكون تغيراً اجتماعياً، وهو زيادة الترابط بين المجتمعات وعناصرها بسبب ازدياد التبادل الثقافي ، فالتطور الهائل في المواصلات والاتصالات وتقنياتهما الذي ارتبط بالتبادل الثقافي والاقتصادي كان له دوراً أساسياً في نشأتها. والمصطلح يستخدم للإشارة إلى شتى المجالات الاجتماعية، الثقافية، الاقتصادية، وتستخدم العولمة للاشارة إلى:

تكوين القرية العالمية:

أي تحول العالم إلى ما يشبه القرية لتقارب الصلات بين الأجزاء المختلفة من العالم مع ازدياد سهولة انتقال الافراد، التفاهم المتبادل والصداقة بين "سكان الارض".

العولمة الاقتصادية:
ازدياد الحرية الاقتصادية وقوة العلاقات بين أصحاب المصالح الصناعية في بقاع الارض المختلفة.
التأثير السلبي للشركات الربحية متعددة الجنسياتأي استخدام الأساليب القانونية المعقدة والاقتصادية من الوزن الثقيل لمراوغة القوانين والمقاييس المحلية وذلك للاستغلال المجحف للقوى العاملة والقدرة الخدماتية لمناطق متفاوتة في التطور مما يؤدي إلى استنزاف أحد الأطراف (الدول) في مقابل الاستفادة والربحية لهذه الشركات.
والعولمة تتداخل مع مفهوم التدويل ويستخدم المصطلحان للإشارة إلى الآخر أحيانا، ولكن البعض يفضل استخدام مصطلح العولمة للإشارة إلى تلاشي الحدود بين الدول وقلة اهميتها.


وبسبب تلك الاختلافات في المعنى، وكون العولمة سلاحاً ذا حدين، أو عملية لها مميزات عظيمة وعيوب خطيرة في نفس الوقت، أصبحت العولمة موضوعاً خلافياً ومثيراً للجدل في شتى أنحاء العالم؛ أيضاً زادت الأفكار الخاطئة وانتشر التشوش عن الموضوع. وبسبب عيوب الإنسان خاصة قلة الاعتدال، انقسم معظم الناس في العالم إلى قسمين:
قسم يشجع الفكرة ويرى فيها كل خير وإيجابية ولا يرى عيوباً على الإطلاق أو يرى عيوباً ويقرر بصورة حاسمة أن التغلب عليها كلها يسير؛ ومعظم هذا القسم من الدول المتطورة والغنية.

وقسم يشجب ويعارض الفكرة بتعصب ولا يرى فيها إلا كل سلبية وشر وجشع وظلم؛ ومعظم هذا القسم من الدول الفقيرة والدول النامية.



أهم ما يمكن قوله في قضية العولمة هي أنها فكرة في حد ذاتها ليست إيجابية وليست سلبية. أي أنها ببساطة فكرة، لها تعريفها الخاص، ويمكن استخدامها في الخير أو في الشر. ومن دلائل ذلك هو أن مثلاً المسلم الذي يدرس العولمة دراسة تفصيلية، قد ينتهي به الأمر إلى أن يتمنى من قلبه لو اتحدت البلدان الإسلامية، ثم بدأت الأمة الإسلامية المتحدة في تطبيق العولمة، لما سيكون له ذلك من الأثر الإيجابي على نشر الإسلام وإفشاء السلام في العالم. ونفس المثال ينطبق على المسيحي المتدين، والصيني الوطني، والأمريكي الوطني، وهكذا...


إذن فإن المشكلة أو الخطر ليس في قضية العولمة نفسها كفكرة أو عملية، بل في كيفية تطبيقها وفي عيوب الإنسان نفسه التي قلّما من استطاع التغلب عليها، مثل الطمع أو الجشع وما فيه من ظلم الغير والحب الشديد للمال وحب القوة والتسلط والتحكم، وغيرها من عيوب الإنسانية التي لا يمكن التغلب عليها إلا بطاعة الله واتباع المنهج الذي وضعه للإنسانية، والذي ختم بإرسال محمد رسول الله--صلى الله عليه وسلم--والقرآن.
والخوف الرئيسي من تطبيق العولمة اليوم في بداية القرن الحادي والعشرين، قد يكون من أسبابه الرئيسية هو تسلط أمريكا كدولة عظمى في الوقت الحالي، على بقية دول العالم، واتباع سياسات ظالمة للغير، وعدم احترام أي من القوانين الدولية. ومن هذا المنظور قد نظن أن معارضة العولمة قد تكون السياسة المثلى إلى أن يأمن الضعيف والفقير في هذا العالم على نفسه وماله ودمه، من الدول الأقوى والأغنى--خاصة أمريكا في الوقت الحالي.

تواجه العولمة مقاومة قوية جدا في مختلف مناطق العالم وخصوصا في أوروبا والدول النامية. إذ أنها قد تؤثر سلبا على إمكانيات نمو اقتصاديات محلية في ظل غياب التوازن بين الدول المتقدمة والفقيرة. كما يتهمها الكثيرون بأنها تذيب الثقافات المحلية وتجير العالم في خدمة القوي، ويعتبرون أن الولايات المتحدة الأمريكية تهيمن على العالم اقتصاديا من خلال فرض سيطرتها الاقتصادية والعسكرية من خلال ما يسمى بالعولمة، وبهذا المعنى ينتفي القول بأن "العالم تطور ليصبح قرية صغيرة"، ليصبح "العالم تأخر ليصبح إمبراطورية كبيرة"--في إشارة لتجدد الحلم الامبراطوري الذي عاصرته الحضارة الانسانية في عصور سابقة.

ولكن هناك الكثير ممن يدافعون عن العولمة. والدول الأقوى--خاصة أمريكا، مع المؤسسات العملاقة التي تؤثر في اقتصاد العالم كله--مثل مايكروسوفت وهي أيضاً في أمريكا، قد تجبر كل دول العالم، بشركاتها ومؤسساتها المحلية، على الخضوع لقوانين العولمة الجديدة. وإن قاومت بعض الدول سياسياً، فإن الشعوب والمؤسسات والشركات لن تستطيع أن تقاوم اقتصادياً. هذا غير أن العولمة هي عملية ماضية في طريقها بدون توقف بالفعل، إن لم يكن سياسياً، فاقتصادياً وثقافياً بطريقة مكثفة. ومن كل ذلك قد نستنتج أن شجب ومعارضة الفكرة قد لا تكون الطريقة المثلى للتعامل مع قضية العولمة. يجب أن تتبع الشعوب والدول والمؤسسات سياسات أخرى من أجل جعل التأثيرات السلبية عليها في الحد الأدنى


2 – حـــوار الحضـــارات

الإجابـــة:

حوار الحضارات فكرة من أول من تكلم بها المفكر الفرنسي روجيه جارودي عبر نظريته الرائدة ومشروعه للجمع بين الحضارات المختلفة على أساس أرضية مشتركة للتفاهم على مستوى شعوب الأرض وسماه بـ' حوار الحضارات ثم طرح الرئيس الإيراني محمد خاتمي نظرية حوار الحضارات في سبتمبر/أيلول 1997 خلال كلمة ألقاها في الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث يرى أن فكرة حوار الثقافات محاولة من أجل التفاهم بغية دحض التصادم.

وتم إنشاء العديد من المؤتمرات والجمعيات والمؤسسات الداعية لترسيخ سياسة الحوار والتفاهم والتعايش السلمي بدلا من الصدام وتبني العديد من الكتاب هذه النظرية ودعوا إلى تنمية الحوار بين العالم الإسلامي والغرب حتى يمكن لكل طرف أن يتفهم الآخر ويتعايش معه وقد حددت الأمم المتحة عام 2001 م عام حوار الحضارات وعينت مندوبا متخصصا لهذا المنصب

مفهـــوم وأهــداف

حوار الحضارات فهو التشاور والتفاعل الثقافي بين الشعوب، والقدرة على التكيف مع الأفكار المخالفة والتعامل مع جميع الآراء الثقافية والدينية والسياسية. تتعدد أهداف الحوار الحضاري، ومنها التعارف والتواصل والتفاعل والاحتكاك الحضاري. كما يعتبر الحوار الحضاري وسيلة أساسية لتجنب الصراعات.

مجالات الحوار الحضاري ووسائله

من مجالات الحوار الحضاري: • المجال الديني: يتجلى في الحوار بين الإسلام وباقي الديانات. • المجال السياسي: هو الحوار بين مختلف التيارات السياسية. • المجال الاقتصادي: هو التعاون الاقتصادي بين الدول في مختلف الأنشطة الاقتصادية. من وسائل الاتصال الحضاري بين المسلمين والمسيحيين: • الحروب الصليبية. • ترجمة المؤلفات العربية للغات الأوربية. • المراكز التجارية الأوربية

- الحوار شمال – جنوب

الإجابة:

إن إعادة النظر في دراسة علاقات التعاون أصبحت حتمية لا مفر منها ، كون أن التقوقع و الانعزال هما من العوامل الأساسية التي تبقى الدول في كنف التشتت و التهميش العالمي ، خاصة في ظل تطور العلاقات الدولية على جميع الأصعدة ، وكذا تدهور العلاقات بين الشمال الغني و الجنوب الفقير هذا بالإضافة إلى الفجوة التكنولوجية بين الطرفين ، و التي بدورها خلقت تباين في التنمية الاقتصادية و الهياكل السياسية و الاجتماعية ، لقد كانت الدول النامية و مازالت في هامش منظومة الرأسمال العالمي و غيابها عن الساحة السياسية ، كون أن جل المنظمات العالمية و أغلب قراراتها تصب في صالح الدول الغربية و من أجل تعزيز العلاقات بين كافة الدول كان الحوار هو السبيل الأمثل ، و ذلك على عكس ما تم إقامته من علاقات قائمة على المصلحة و الهيمنة من قبل دول الشمال تقابلها التبعية و التخلف من قبل دول الجنوب ، و قد حاولا كلا الطرفين تحت ظروف عديدة مرت بها العلاقات الدولية بلورة فكرة الحوار في العديد من المناسبات ، فالدول الأوربية عملت على تطوير أشكال التعاون مع الدول المتوسطية باستمرار بحيث وصل هذا التطور إلى إحلال اتفاقيات شراكة محل اتفاقيات التعاون القديمة القائمة على أساس منح بعض الامتيازات التجارية و بعض أشكال الدعم و المساعدات المالية .

فماذا نقصد بالحوار شمال – جنوب؟ و ما هي أسابه و أهدافه ؟ هل تم تجسيد ذلك على أرض الواقع ؟

إن المراقبين و الباحثين يجمعون على أن الحوار بين الشمال و الجنوب تبلور بشكل واضح في السبعينيات و خاصة بعد الأزمة النفطية ، فقد برز النفط ليس كمادة أولية مميزة فحسب بل كسلاح إستراتيجي ذي أثر مهم في موازين الصراع الإقليمية و الدولية ، و كذا منذ إنشاء مجموعة 77 سنة 1964 التي تمثل مجموعة من الدول النامية و التي حليا وصل عددها إلى 130 دولة ، مجموعة 77 كان أول اجتماع رئيسي لها بالجزائر سنة 1967 و الذي بموجبه تم إنشاء الهيكل التنظيمي لهذا المجموعة ، و حاليا هناك ممثلون عن المجموعة في كل من منظمة الأغذية الزراعية – الفاو- و منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية – اليونيدو- و منظمة الأمم المتحدة للتربية و التعليم و الثقافة – اليونسكو- و منظمة الأمم المتحدة للبيئة – اليونيب- و صندوق النقد الدولي و البنك الدولي .

ففي أعقاب حرب 1973 ظهرت قوة النفط كسلاح ، حيث عقد اجتماع للدول العربية المصدرة للنفط و قرروا رفع الأسعار بنسبة 70 بالمائة و اتفقوا كذلك على خفض الإنتاج إلى 50 بالمائة ، و تم إصدار بيان مضمونه أن هذه الآلية في الإنتاج ستستمر حتى يتم انسحاب إسرائيل من كامل الأراضي المحتلة ، و هكذا ظهر النفط كقوة اقتصادية و قوة سياسية ، و قد توالت التصريحات بعد اتخاذ هذا الإجراء من طرف عدة مسئولين فوزير الخارجية الفرنسي أعلن " أن الحوار بين العرب و أوربا هو أحد الآمال و الاهتمامات لكلا الجانبين ، و آخر أقر " بأن عصر الطاقة الرخيصة الذي قامت عليه اقتصاديات الدول الصناعية الغربية قد أتى فجأة إلى نهايته " .

إن آثار حرب أكتوبر كان لها الأثر الواضح على حتمية انطلاق الحوار بين الطرفين شمال جنوب من خلال استخدام الدول العربية المنتجة للنفط لسلاح البترول بوسائل مختلفة مثل المقاطعة و خفض الإنتاج و رفع الأسعار ، و جل الباحثين في مجال الطاقة البترولية يقرون بأنه خلال الفترة ما بين 1950 و 1973 كان سعر البترول مقوم بأقل من سعره الحقيقي بحوالي 50 بالمائة ، و كما ذكر الرئيس الجزائري هواري بومدين " أنه لأكثر من عشرين عام الدول المصدرة للبترول قد مولت التنمية الصناعية الغربية ".

بعد هذه الحرب و الأحداث شعر الغرب بأهمية هذه المادة الإستراتيجية و خطورة غيابها و مدى تأثيرها على نشاطها الاقتصادية ، أما في الوقت الراهن و مازاد الأمر اهتماما أكثر بان الحوار يجب أن يكون السبيل لتحقيق تنمية عادلة بين الشمال و الجنوب هو بروز فكرة أنشاء تكتل للدول المنتجة للغاز ، فبعد " أوبك للبترول " هناك تلميحات بإنشاء " أوبك للغاز " و ازدادت معها مخاوف لدى الدول المستهلكة للغاز كمصدر طاقة أساسي

و خاصة الو م أ و الإتحاد الأوربي فالدول الصناعية تزداد يوما بعد يوم تبعية في مجال الطاقة التي و من سنة إلى أخرى ستزداد حاجاتها لها ، فالغاز خاصة في الظروف الراهنة المتعلقة بالبيئة سيتربع بلا شك على عرش الطاقة ، كما أن الدول التي دعت لإنشاء هذه المنظمة و متمثلة في كل من إيران فنزويلا روسيا قطر و الجزائر مؤمنون أن إنشاء أوبك للغاز من شانه أن يضمن نتائج إيجابية للدول المصدرة للغاز ، و يوطد مكانتها في أسواق الغاز الطبيعي العالمية بل يمكنه أن يزيد من ثقلها على المسرح السياسي العالمي ، و الدليل على ذلك أن الو م أ و الإتحاد الأوربي أعربتا عن مواقفهما المعارضة لتشكيل هذه المنظمة لأنهما تريان أنها سوف تسيطر على أسواق الغاز الطبيعي العالمية و تحتكرها ، فدول الجنوب بالخصوص أدركت أنه يجب التخلص من مفهوم التبعية و السياسة المفروضة التي تنتهجها دول الشمال و المؤسسات الدولية ممثلة في صندوق النقد الدولي و البنك الدولي و الشركات متعددة الجنسيات حيث أن سياسة صندوق النقد الدولي تحددها دولتان هما الو م أ و بريطانيا ولدت معها مشكلة الديون و التي أثقلت كاهل الدول النامية ، كما أن الشركات متعددة الجنسيات التي كانت تحتكر الأنشطة الإستراتيجية لقوتها الاقتصادية و التكنولوجية وصفتها الاحتكارية جعلها تدخل كمستغل لثروات البلدان النامية لا كمساعدة لها ، فالحوار لا غنى عنه في هذه الظروف حيث يجب أن يبنى على أساس العدالة و المنفعة للطرفين لا على أساس الاستغلال و الهيمنة و العلاقات غير المتكافئة فعلى الغرب أن يدرك بان شروط الحوار و الشراكة تغيرت و أن وفرة الأموال ( خاصة في ظل الظروف المواتية للأسواق البترولية ) ستسمح للبلدان المنتجة للنفط و الغاز شراء ما يلزمها من التقنيات و الخبرات من الدول الصناعية دون أن تقع في شرك التبعية لدولة أو جهة محددة ،

و هذا ما جعل فكرة الحوار بين المنتجين ( دول نامية ) و المستهلكين ( دول الشمال الصناعية ) تتعمق أكثر ،

و أن سياسة المساعدات و القروض التي تبنتها الدول الصناعية في تحقيق التنمية سياسة فاشلة .

هذا إلى جانب بروز العديد من المشاكل التي تتطلب تعاون ، و تكاثف دولي لمواجهتها ، كتجارة الأسلحة المخدرات ، الجريمة المنظمة ، الإرهاب و الأمن ، الهجرة السرية ، البيئة كلها أمور تعزز الحوار أكثر من ذي قبل ، و عليه فإن الحوار و التعاون شمال جنوب يجب أن يشمل أمور عدة :

يجب أن يمس الحوار الجوانب السياسية و الأمنية

يجب أن يمس الحوار الجوانب الاقتصادية و المالية

يجب أن يمس الحوار الجوانب الثقافية و الاجتماعية

وعلى أساس ما تم ذكره فعن أساس الحوار نابع من كلا الطرفين لعدة أسباب و معطيات يمكن ذكرها كمايلي :

فبالنسبة لدول الجنوب :

إن الدول النامية تحصل على قليل من القيمة المضافة على أسعار المواد الأولية و السلع الأساسية التي ت

صدرها إلى الدول الصناعية ، كما نجد أن عددا كبيرا من الشركات المتعددة الجنسيات تحتكر مجمل عمليات الإنتاج حتى التوزيع النهائي .

مجمل الاتفاقيات القديمة تتميز بعدم الإنصاف و أنها تعود بالنفع على دول الشمال على حساب الجنسيات دول الجنوب

ازدواجية النظام الليبرالي ففي حين يدعوا لتحرير التجارة و إلغاء الرسوم الجمركية هو يمارس التضييق على تدفق السلع التي تصدرها الدول النامية بشروط تعجيزية خاصة في ظل غياب التكنولوجيا كان يفرض شروط على السلعة المستوردة أو بممارسة سياسة حمائية على عكس ما يدعوا له النظام الرأسمالي .

انعدام مشاركة الدول في صنع القرارات الدولية و يظهر ذلك بالخصوص في القرارات التي يتم التوصل إليها على مستوى المؤسسات المالية و النقدية ، و كذا هيئة الأمم فيما يخص القرارات السياسية خاصة في ظل وجود دول لها حق النقد و الاعتراض ( الفيتو) كميزة لها عن بقية الدول .

ازدياد الديون الخارجية المستحقة على الدول النامية و هو ما أدى إلى إعلان عدد من الدول عن عدم قدرتها على دفع المستحق عليها ، و في كثير من الأحيان اللجوء إلى إعادة جدولة هذه الديون التي بدورها ستحمل هذه الدول أعباء إضافية على غرار هذه الديون . إدراك دول الجنوب بان اقتصادياتها تعاني من خلل بنيوي و ذلك لاعتمادها على تصدير المواد الأولية و افتقارها للتكنولوجيا المطلوبة لدخول مجال التصنيع و هو ما عزز مفهوم الحوار و المطالبة بالتكنولوجيا من اجل كسر نمط التبعية و تشجيع التصنيع و ذلك بمطالبة الدول المتقدمة سواء بمساعدات مالية ( برنامج ميدا 01 ، و ميدا 02 ) أو من خلال المؤسسات الدولية لتامين التموين اللازم للصناعات المتقدمة في الجنوب ، كما يجب تقديم المزيد من المساعدات التقنية و التدريبية نقل التكنولوجيا ، كما تطالب دول الجنوب بتسهيل دخول بضائعها لأسواق و البلدان المتقدمة عن طريق إزالة تدريجية للحواجز الجمركية و غيرها من الإجراءات الحمائية .

- بناء نظام نقدي دولي قادر على تأمين الاستقرار لجميع الدول خاصة أسعار الصرف لا سيما من حيث تقلباتها على تجارة السلع الأساسية ، و بالتالي على النمو في دول الجنوب بالإضافة إلى ذلك لابد من إشراك الدول النامية بفاعلية في كل مراحل اتخاذ القرارات في المؤسسات المالية الدولية .

- تنظيم عمل الشركات متعددة الجنسيات تتحكم باقتصاديات الدول خاصة فيما يتعلق بالمواد الأولية من حيث إنتاجها و أسعارها ، و أي محاولة سياسية لتغيير الواقع تتدخل الدولة الأم ، و لذلك طلبت دول الجنوب بوضع مدونة دولية لقواعد و سلوك الشركات متعددة الجنسيات لضمان عدم تدخلها في الشؤون الداخلية للبلدان المضيفة و تأمين التوافق بين نشاط هذه الشكات و عمليات التنمية في الدول المضيفة و إعادة استثمار أرباحها في الدول المعنية .

- ناهيك عن الحالة التي تشهدها جل البلدان العربية و النامية من عدم استقرارها الأمني و السياسي و تدهور أوضاع الشرق الأوسط ، ما هي إلا عوامل جذابة لتبني الحوار كأساس و منهج على أي نهج أو حل آخر

أما دول الشمال فكان تركيزها منصب على ربط العالم اقتصاديا بانفتاحه على بعضه البعض من قبل أي توجه آخر ، و هذا هو الهدف التقليدي ، أما اليوم فمحور أهداف الدول الصناعية هو الحصول على ضمانات لاستمرار تدفق موارد الطاقة ، فهي تزيد ضمان وفرة إمداد الطاقة الأحفورية و ضمان استمرار هذا التدفق و استقرار أسعاره و المشاركة في وضع السياسة الإنتاجية و التسويقية ، و هذا ما كان سائدا قبل الثورة النفطية في السبعينات و مع ريادة منظمة أوبك في التأثير في هذه المادة الأساسية و تأثيرها في رسم السياسات جعل دول الشمال مضطرة لتغيير استراتيجيها تجاه الجنوب لتحقيق الهدف المذكور ، فلولا المواد الأولية عموما و البترول خصوصا و انخفاض أسعاره لما تسنى لدول الشمال تحقيق هذا النمو الهائل ، و ما يعزز كذلك مفهوم الحوار في هذا الجانب شيوع في الآونة الأخيرة مصطلح أوبك للغاز و ما رافقه من تداعيات على الدول الصناعية ، و كذلك شيوع مصطلح الطاقة المتجددة و الطاقة البديلة و ما تسخر به دول الجنوب كلها عوامل تستدعي أن يكون الجنوب طرفا أساسيا للحوار لما يملكه من مصادر للطاقة البديلة كصحراء الجزائر .

كما أن الدول الصناعية بحاجة إلى زيادة اهتمامها بتوسيع أسواقها في العالم النامي ، خاصة و أن الصراع في أوجه بين الدول الصناعية الكبرى للاستحواذ على أعلى نسبة من أسواق الشمال لتصريف منتجاتها ، و كذا من أجل معالجة بعض المشكلات التي أفرزتها العولمة مثل الجريمة المنظمة الإرهاب المخدرات تجارة الأسلحة الهجرة السرية من جنوب البحر المتوسط .

و كذا المؤتمرات المتعلقة بالبيئة حديثا قد فرضت على الدول الصناعية الحد من الغازات الدفيئة أي بصورة أخرى تقليل نشاطها الصناعي و لتعويض ذلك يجب استعمال طاقة أقل تلويثا و الدول النامية تسخر على طاقة بديلة نظيفة و بالتالي هي وجهة مستهدفة من طرف الدول الصناعية .

و كمحاولة من دول الشمال استحدثوا آلية جديدة من اجل تعزيز العلاقات مع دول الجنوب لتأهيل اقتصاديات دول هذه الأخيرة منها برنامجي ميدا 01 و ميدا 02 المتعلق بالمساعدات المالية :

فبرنامج ميدا 01 ( 1995 / 1998 ) تم التركيز فيها على محاولة تهيئة اقتصاديات الدول النامية المعنية بهذه المساعدات من إصلاحات هيكلية ، اهتمام بالتجارة و ترقيتها ، و خصخصة المؤسسات العمومية الاهتمام بالمؤسسات الصغيرة و المتوسطة ، تطوير القطاع المالي .....................

أما برنامج ميدا 02 ( 2000/2006 ) هو يعمل على توفير أحسن السبل لتعميق الشراكة و التعاون بين دول الشمال و دول الجنوب و الذي يهدف لزيادة معدلات النمو داخل البلدان المعنية ، تحقيق نمو خارج قطاع المحروقات ، معالجة بعض المشاكل كالبطالة و التضخم و دفع الاستثمارات ...........

على العموم فإن الحوار مع العالم العربي ( دول الجنوب ) يرتبط بأمرين رئيسين من مجموع الأمور المستهدفة ( طاقة تجارة ) ، حيث أن دول الشمال كانت تهدف لتلافي إي آثار المقاطعة البترولية ، و هذا إلى جانب علمها أن ثروة البلدان النامية المصدرة للبترول ستعود إليها باستخدامها في الاستثمـارات و استيراد المواد و البضائع و الخدمات التكنولوجية من البلدان الغربية الصناعية .

و هكذا فإن دول الشمال تستطيع أن تعيد دورة رؤوس الأموال مرة أخرى التي دفعتها لقا فواتير البترول المستورد ، لذلك أرادت دول الشمال الاستفادة من شراكة طويلة الأمد بين رأس المال البترولي العربي و التكنولوجيا الغربية بالإضافة للمميزات الأخرى التي يتميز بها العالم العربي و العمل كذلك على الحد من الآثار و الآفات العابرة للقارات .

و الدول العربية بالمقابل تتطلع إلى المزيد من العناية و الاهتمام بمواقفهم و متطلبات تنميتهم ، و بحسب وجهة النظر العربية فإن أوربا يجب عليها اتخاذ موقف واضح و منصف إزاء العرب العادلة و أداء دورها كاملا في الشؤون الدولية بحكم كونها تتصل بالدول العربية عبر البحر المتوسط بصلات تجارية متينة و مصالح حيوية متداخلة لا يمكن أن تنمو إلا في إطار تسوده الثقة و المصالح المتبادلة .

و مما لا شك فيه بان وضع سياسة عربية موحدة تجاه المجموعة المذكورة أو أي كتلة اقتصادية أخرى أصبحت ضرورة و حتمية لا مفر منها ، فالتحديات التي ستواجهها تتباين بين ما هو اقتصادي مرتبط بتداعيات العولمة و إفرازاتها ، و سياسي مرتبط بتزايد الضغوط على مختلف الدول باتجاه احترام حقوق الإنسان و نهج الديمقراطية و حاجة هذه الدول لبلورة تصور واضح موحد بشأن الإصلاحات الواجب التطرق لها على جميع الأصعدة ، و عسكري تعكسه مختلف الاعتداءات و التهديدات التي تطال العديد من دول الجنوب بخاصة العربية منها .

و من هذا المنطلق يجب التنويه بان التعاون جنوب – جنوب يعتبر محورا رئيسيا و آلية هامة من أجل تعزيز الحوار و تحقيق التنمية في هذه الدول و من منطلق أن العالم أصبح يتميز بتكتلات لا بدول يجب على الدول النامية أن تتحد لتحقيق أقصى المنافع و الأهداف و تعزيز التعاون من أجل المشاورات السياسية حول مختلف القضايا الإقليمية و الدولية ذات الأهمية المشتركة لفرض رأيها و كذا حول التحديات التي تواجه المنطقة المتوسطية ، لان التفاوض مع كتل ضد دولة وحدها حتما المفاوضات ستكون لصالح الكتلة المفاوضة .

ويجدر في الأخير ذكر بعض العقبات التي تقف في وجه هذا الحوار منه :

· تضارب المصالح و عدم الاستقرار السياسي و الأمني في الدول العربية و كثرة المشاكل العالقة

· التناقض بين الوحدة العربية السياسية و الاقتصادية شيء و العمل الفعلي و الإيمان بضرورالتكامل الاقتصادي شيء آخر

· بدل من التعاون بين كتلتين من أجل تحقيق الأهداف المشتركة ، إلا أن الواقع يثبت أن العلاقات الثنائية بين الدول المعنية طغت على مجالات التعاون أي أن العلاقات الثنائية ساهمت بشكل كبير في تقلص حماس الدول المشتركة في الحوار إلى الحد الأدنى حيث إن بعض الدول ترى أنه إذا استطاعت تحقيق نتائج إيجابية على مستوى العلاقات الثنائية فلا داعي للحديث عن تكتل .

· القضية الفلسطينية كانت عائق و نقطة اختلاف حيث أن الإتحاد الأوربي و أمريكا لها من العلاقات مالا يعد ولا يحصى و نتيجة لذلك فغن الجانب العربي أصيب بخيبة أمل نتيجة هذه الاتفاقيات و يرون أن الاتفاقيات التجارية مع إسرائيل تعتبر بمثابة تشجيع معنوي و دعم اقتصادي لدولة معتدية.

و يجب التنبيه إلى أن اتفاقيات التعاون الاقتصادي بين المجموعة الأوربية و الكيان الصهيوني يعتمد على مبدأ التكامل المتكافئ و على القيام بعمليات مشتركة في ميدان البحث العلمي و التقني ، و ذلك على نقيض الاقتصاد العربي المتخلف الذي يعتمد على المنتجات الإستخراجية و الزراعية و المواد الأولية .

و خلاصة القول أن كلا الطرفين يردان تحقيق أقصى المنافع و الأهداف ، فدول الجنوب تريد استغلال مواردها التي تسخر بها و توظيف عائداتها في الأوضاع الداخلية على جميع المستويات و كذا تحسين مكانتها في العلاقات الاقتصادية الدولية ، و كذا دورها في رسم السياسة الدولية ، في حين يكمن هدف الشمال في الحصول على هذه المواد بكميات كبيرة و أسعار مقبولة من أجل ضمان المسيرة السليمة لاقتصادياتها .

كان لانهيار الاتحاد السوفييتي ونهاية الحرب الباردة الأثر الكبير في تدني مستوى حوار شمال- جنوب, وبخاصة بعد ما انكبت معظم الدول الرأسمالية الكبرى على توجيه المساعدات التي كانت تستفيد منها دول الجنوب نحو دول المعسكر الشرقي السابق لتشجيعها على الانخراط في اتباع إصلاحات سياسية ديموقراطية وأخرى اقتصادية تصب باتجاه نهج الاقتصاد الحر.

وهكذا وفي الوقت الذي أضحت فيه الدول الرأسمالية الكبرى تحقق مزيدا من الإنجازات في ظل هذه التحولات الدولية الراهنة على مختلف الواجهات والمستويات: الاقتصادية والسياسية والعسكرية والتكنولوجية.. وتمكنت من تذليل خلافاتها في سبيل بلورة تكتلات اقتصادية ناجحة ورائدة على المستوى العالمي.. ازدادت الأوضاع قتامة وسوءا بدول الجنوب.

فالأوضاع الاقتصادية لمعظم هذه الدول ازدادت سوءا وتدهورا, بالشكل الذي انعكس سلبا على أوضاعها الاجتماعية والسياسية, مما كان له الأثر في تعميق تبعيتها للمؤسسات المالية الدولية الكبرى التي أثقلتها بالديون المشروطة والوصفات الملغومة.

وهو ما أسهم أيضا في تغييب أي دور لها في صياغة وترتيب أوضاع عالم ما بعد الحرب الباردة, ولا عجب في ذلك, فمجمل تكتلات الجنوب التي احتلت مكانة وازنة في عالم الحرب الباردة والتي طالما شكلت إطارا لبلورة تصورات ومطالب مشتركة لدول الجنوب, أصابها ما يشبه الشلل بعد انهيار المعسكر الشرقي, وأفرغت من محتواها ولم تعد لها سوى قيمة تاريخية, مثلما هو الشأن بالنسبة لحركة عدم الانحياز التي احتضنت ودافعت عن القضايا العادلة من قبيل الحث على احترام حق تقرير المصير والحد من التدخلات الأجنبية ورفض الحرب الباردة، بل حتى إن الجمعية العامة للأمم المتحدة التي شكلت فيما مضى منبرا لطرح المطالب والتصورات وإطارا للتنسيق والتعاون بين مختلف هذه الدول وبلورة قرارات تصب في خدمة مصالحها العادلة ومواجهة مختلف المخاطر التي تتهددها, خبا بريقها على حساب مجلس الأمن الذي أضحى المحتكر الرئيسي لقرارات وتحركات الأمم المتحدة.

وقد كان لهذه المتغيرات الأثر الكبير في بروز علاقات غير متكافئة بين شمال غني وجنوب فقير.

ورغم وجود بعض اللقاءات المتقطعة بين مختلف دول الجنوب لمناقشة هذه التحديات, إلا أنها لم تسفر عن الخروج باستراتيجية فعالة تمكن من رص صفوفها باتجاه مواجهة هذه المخاطر.

ويمكن القول أن القمة الأمريكية الجنوبية – العربية التي انعقدت بالبرازيل بتاريخ 10 و 11 مايو 2005 يمكن أن تشكل مدخلا مهما لإعادة الدفء والحياة من جديد إلى الحوار جنوب-جنوب الذي انطلق بعد حصول العديد من الدول النامية على استقلالها, بعد جمود أصابه منذ نهاية الحرب الباردة كما ذكرنا.

فالدول المشاركة في هذه القمة لها وزنها وأهميتها ضمن مجموعة الدول النامية, ولها من الإمكانيات البشرية والاقتصادية والطبيعية والتجارب السياسية ما يؤهلها للانخراط في تعاون مثمر وحقيقي في شتى الميادين بالشكل الذي قد يخدم مصالحها ويسهم في جر مختلف الدول النامية الأخرى إلى الانخراط في هذا التعاون.

ولعل ما يجعل من هذا الحوار والتعاون أمرا ملحا وضروريا, هو حجم التحديات والمخاطر التي أضحت تتهدد وتواجه هذه الدول مجتمعة.

وهذه التحديات تتباين بين ما هو اقتصادي مرتبط بتداعيات العولمة وإفرازاتها وسياسي مرتبط بتزايد الضغوطات على مختلف الدول باتجاه احترام حقوق الإنسان ونهج الديموقراطية وحاجة هذه الدول لبلورة تصور موحد بشأن الإصلاح المرتقب للأمم المتحدة, وعسكري تعكسه مختلف الاعتداءات والتهديدات التي تطال العديد من دول الجنوب وبخاصة العربية منها..

فالظرفية الدولية تحتم العمل الجماعي وتكثيف الجهود نحو بلورة تصورات مشتركة وموحدة إزاء ما يعرفه العالم من تحولات.

فمواجهة مخاطر العولمة وتلافي وتفادي التهديدات والضغوطات المستمرة ضد هذه الدول وتكريس إصلاح يكفل مصالح الجنوب داخل الأمم المتحدة تتطلب تكتلات اقتصادية فاعلة وتصورات مشتركة وديبلوماسية تفاوضية وازنة.

ولعل من شأن تعزيز هذا الحوار بين هذه الدول الذي أضحت تمليه هذه الظروف, أن يمكن هذه الدول من تبوء مكانة إيجابية ضمن الأطراف الفاعلة في المجتمع الدولي بدل التفاعل السلبي مع هذه المتغيرات.

ومما لاشك فيه أن هذه الدول إذا لم تتدارك الأمر وتدلي بدلوها في المساهمة بشكل إيجابي في مسار العلاقات الدولية فالأكيد أن مصير العالم سيصاغ دون أخذ رأيها أو الاستئناس به.


3: - منظمة البلدان المصدرة للبترول : الرهانات الإستراتيجية:
4- الحكم الراشد: المعنى و الامتدادات،

- ظهر مصطلح الحكم الراشد في اللغة الفرنسية في القرن الثالث عشر كمرادف لمصطلح الحكومة ثم كمصطلح قانوني (1978) ليستعمل في نطاق واسع معبرا عن تكاليف التسيير (charge de gouvernance) (1679) و
بناء على أساس هذا التعريف، ليس هناك شك أو اختلاف حول الأصل الفرنسي للكلمة .
- كلمة الحاكمية أصلها إنجليزي فهو مصطلح قديم، أعيد استعماله من قبل البنك الدولي في منتصف الثمانينات حيث أصبح من الاهتمامات الكبرى في الخطابات السياسية و خاصة في معاجم تحاليل التنمية، و يمكن شرحه بأنه طريقة تسيير سياسة، أعمال و شؤون الدولة.
- يقصد بالحاكمية
gouvernance او الحكم الراشد أسلوب وطريقة الحكم و القيادة، تسيير شؤون منظمة قد تكون دولة، مجموعة من الدول، منطقة، مجموعات محلية، مؤسسات عمومية أو خاصة. فالحاكمية ترتكز على أشكال التنسيق، التشاور، المشاركة و الشفافية في القرار.


معايير الحكم الراشد: لا سبيل لإرساء الحكم الراشد إلا:

- باقامة دولة الحق والقانون،
- ترسيخ الديمقراطية الحقة،
- التعددية السياسية،
- المراقبة الشعبية التي تتولاها مجالس منتخبة بشكل ديمقراطي (البرلمان)،
- الشفافية في تسيير شؤون الدولة،
- المحاسبة التي تقوم من خلال بناء سلطة قضائية قوية،
- حرية التعبير وحرية الرأي تقوم بها وسائل الإعلام من خلال حرية الاطلاع و الاستقصاء و التبليغ.
الاستراتيجيات التي تحدد ملامح الحكم الراشد وتتمثل فيما يلي

1- البعد المؤسسي :
حيث يضمن ترسيخ دعائم الإدارة الجيدة لشؤون الدولة والمجتمع و توفر كل من الشفافية و المساءلة تستدعي إرساء دعائم هياكل مؤسسية تتواءم و مرحلة التحول الديمقراطي الذي يرتبط بدوره بالمتغيرات السابقة.

2- البعد الاقتصادي و تحسين مستوى الأداء :
لا يجوز إغفال أهمية البعد الاقتصادي، حيث يمثل هذا البعد أحد أهم محاور و آليات حسم الحكم كخطوة على طريق التحول الديمقراطي، حيث لم يعد الاهتمام محصورا في تحديد مستويات النمو الاقتصادي و إنما امتد ليشمل وجوب تحسين
مستويات الأداء الاقتصادي لمواجهة مختلف الأزمات و ذلك عبر إصلاحات هيكلية.

3 - علاقة الدولة بمؤسسات المجتمع المدني كأحد محاور الحكم الراشد:

تعكس طبيعة علاقة الدولة بمؤسسات المجتمع المدني أحد أهم محاور حسن الحكم بحيث اعتبر التأكد على فعالية مؤسسات هذا المجتمع في مواجهة الدولة أحد الشروط الأساسية للتنمية. فالمجال الاجتماعي المستقل عن الدولة الذي يؤكد على وجود مجال عام للأنشطة التطوعية للجماعات يتيح قدرا من التوازن بين طرفي معادلة القوى في ظل خضوع مؤسسات المجتمع المدني للقانون، بما يضمن استقلالها عن أي توجهات أيديولوجية من جانب والارتفاع بمستوى المساءلة من جانب أخر.



4
- دو ر الفاعلين الدوليين في دعم الشفافية و المساءلة :

تشير الإستراتيجيات الحالية للتنمية إلى موقع هام لدور الفاعلين في رسم وتحديد معالم المسار التنموي، وبطيعة الحال يتضح هذا الدور جليا في دول العالم الثالث من خلال دعم هؤلاء الفاعلين لبعض التوجهات التي تدعم مقولات واليات حسن الحكم بصفة عامة في هذه الدول، وذلك عبر مساعدات اقتصادية تقدمها الحكومات الأجنبية وبعض الوكالات الدولية، فالمساعدات الدولية عادة ما توجه على سبيل المثال لحفر التعددية كأحد الأبعاد المؤسسية للتنمية السياسية أو إلى دعم استقلالية المنظمات الشعبية وضمان انسياب المعلومات بما يضمن مزيد من

5– التنميــة و البيئــة: الرهانــات و التحديــات

الراجح أن بناء المواطن المدني المتحضر، المتشبث بالثوابت الوطنية والقيم الحضارية المنفتحة، المعتز بهويته وانتمائه، المدرك لحقوقه وواجباته، أضحى يمثل أحد الرهانات التنموية المطروحة بقوة وإلحاح على معظم المجتمعات المعاصرة. فبعد أن كان تحقيق هذا الرهان متوقفا بالأساس على مؤسسات الأسرة والمدرسة والإعلام والقطاعات الحكومية الوصية، أصبح اليوم يعتمد على جمعيات المجتمع المدني، بحيث صار دور هذه الأخيرة حاسما وأساسيا في تنمية السلوك المدني وترسيخ أساليب ممارسته كثقافة يومية تحكمها قيم الديمقراطية الحقيقية والمواطنة الفعلية.
إذن إذا كان دور المجتمع المدني في تحقيق بعض مظاهر التنمية المستدامة، أضحى من الأمور البديهية لدى أغلب المجتمعات المتقدمة ذات التقاليد الديمقراطية العريقة والإمكانيات المادية الهائلة، فالأكيد أن هذا الدور يمثل بالنسبة لنا نحن العرب مطلبا استعجاليا وضروريا وذلك لاعتبارات عديدة أهمها:
*
تجذّر ثقافة العمل الجماعي التطوعي القائم على التكافل والتضامن والتشارك في تاريخنا العربي المشترك. فرغم اتجاهه نحو الاندثار في المدن العربية، إلا أن هذا الإرث الثقافي ما يزال يحظى بالممارسة المنتظمة في الأرياف والقرى وفي بعض المناسبات والمواسم (الحرث والحصاد، الأفراح والأعراس، الحج...)، ( المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، 2007)، وفي ملتقيات شيوخ وأعيان القبائل والعشائر، وفي دروس وخطب فقهاء الدين وأئمة المساجد ثم في ممارسات وخدمات نقابات الأشراف والطرق الصوفية ومساهمات التنظيمات المهنية والحرفية والتجارية.
* التحديات العالمية الكبرى التي أصبحت تفرض نفسها على الساحة العربية، وفي مقدمتها ثقافة العولمة بمتغيراتها وتداعياتها السلبية والإيجابية، برهاناتها وإكراهاتها الحاضرة والمستقبلية، ومجتمع الإعلام والمعرفة بمقوماته التكنلوجية ومستلزماته التنموية، ثم ثقافة التطرف والإرهاب بمعتقداتها الأصولية وسلوكياتها التدميرية.
* احتضان المنتظم الدولي، من خلال عدد من الوثائق والتقارير التي أصدرها منذ 1972 إلى الآن، للمجتمع المدني ودوره في خدمة التنمية المستدامة، وبالتالي مطالبة كافة دوله الأعضاء بدعم هذا الدور وتفعيلة على أرض الواقع من خلال إشراك الجمعيات المدنية في تصميم الأنشطة والبرامج وتنفيذها ونشر نتائجها وخاصة تلك التي لها علاقة مباشرة بتحسين جودة الحياة وحماية البيئة وتعزيز حقوق الإنسان وبناء مجتمع العدل والمساواة والرفاه الاجتماعي. ونقصد بالخصوص الوثائق والتقارير التالية:
-
بروز حركة التربية البيئية بعد مؤتمر ستكهولم حول البيئة (1972).
-
وثيقة الأهداف الإنمائية للألفية (MDGs) الصادرة عام 2000 والتي تراهن على تحقيق ثمانية أهداف للتنمية في حدود سنة 2015.
-
عشرية الأمم المتحدة للتربية على حقوق الإنسان (1995- 2004).
-
التقرير العربي حول التنمية المستدامة، القاهرة (2001).
-
عشرية الأمم المتحدة للنهوض بثقافة السلم والاعنف تجاه أطفال العالم (2001- 2010).
-
إعلان عقد محو الأمية في حدود 2012.
-
عقد التعليم من أجل التربية المستدامة (2005- 2014).
*
التحديات الداخلية التي تكشف عن مظاهرإخفاق وفشل السياسات العربية في مجال تكوين العنصر البشري وتنمية قدراته ومهاراته على السلوك المدني تجاه نفسه وتجاه الآخر والطبيعة والبيئة. وهي مظاهر تعبرعنها وقائع كثيرة أهمها:


6 – ظاهــرة البيروقراطيــة ،

ولدت البيروقراطية مع نشوء الدولة الحديثة المعززة بجيش ضخم من الموظفين ورجال الإدارة ذوي الاختصاص بالمهام الموكلة إليهم، أو سياسيين، كانوا شريحة مؤثرة ذات نفوذ في الدولة وقراراتها السياسية، معبرين بذلك عن تحقيق مكاسب خاصة، أو توجيه السياسة العامة، وتلك السلطة والقوة تمارس على المواطنين.

مع أن الحضارات القديمة في مصر الفرعونية أو الصين قد شهدت نوعا من البيروقراطية البدائية، حيث أن المجتمعات التي تكونت على أساس العائلة والقبلية لم تكن تعرف الإدارة المعقدة، وكانت أغلب الأوامر الشفوية والأعراف تنقل مباشرة دون واسطة، وعليه فإن الإدارة لم تظهر إلا مع مؤسسة الدولة في نموذجها الأول، الدولة- المدينة، حيث ظهرت الحاجة إلى وجود إدارة تشرف على إيجاد الموارد المالية لتمويل حاجات الدولة وإشباع خزيتنها.
لقد توطدت البيروقراطية أكثر منذ نهاية عصر النهضة في أوربا، حيث ظهرت تحولات سياسية واجتماعية وتقنية، ومع تحولات القرن التاسع عشر، وخصوصا ظهور الفكر الليبرالي والثورة الصناعية، ركزت البيروقراطية وجودها، وارتبطت فكرتها بالأساس بالتنظيم الإداري، أي سلطة وحكم المكاتب، ولم يثر ذلك أي إشكالية لحاجة الدولة إلى أجهزة ومؤسسات لإدارة دواليبها.
لكن البيروقراطية أصبحت مشكلة، وأهم موضوعات علم الاجتماع السياسي عندما طرحت التساؤلات حولها في المجتمع الذي يكون فيه الشعب هو صاحب القرار، لذلك لا نجد غرابة في أن يكون كارل ماركس من أوائل من وجه النقد للبيروقراطية مبينا أنها تعبير وتجسيد للدولة البرجوازية، وهو يشدد الذكر على هيغل الذي يرى أن الدولة تمثل التعبير النهائي عن المصالح العامة، ويرى ماركس أن هناك انفصالا بين الدولة والمجتمع، وإن أجهزة الدولة- البيروقراطية لا تمثل المجتمع، كما أن البيروقراطية كتجسيد للمصلحة العامة تقابل المصلحة الشخصية للأفراد، هو تعارض وهمي يستخدمه البيروقراطيون لخدمة أوضاعهم الشخصية.
في حين أكد لينين على حاجة الحزب الثوري لقواعد بيروقراطية رسمية لضرورة وجود ضبط مركز قوي، وديكتاتورية بروليتاريا قادر على قيادة الحركة الثورية، وهو في ذلك ينظر إليها (كمبدأ تنظيمي)، إلا أن هذا الموقف تعرض لانتقادات شديدة أدى إلى دعوته في المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي السوفياتي سنة 1912م إلى محاربة البيروقراطية وانتخاب الأفراد الذين يشغلون المناصب الإدارية.
ومن مفارقات التاريخ أن تكون الأحزاب الشيوعية الحاكمة أعتى قلاع البيروقراطية، وهذا ما قتل الروح الإبداعية والتجديد، ومن ثم انهيار الأنظمة الشيوعية بشكل تراجيدي.
واعتبر (جون ستيوارت مل) أن البيروقراطية أخذت دلالات متعددة لا تقتصر على الجهاز الإداري في الدولة، أي على شكل من أشكال التنظيم الحكومي، بل أخذت معاني، مختلفة، فهي شكل من أشكال الحكم، أو صفة تطلق على نظام حكم تميزا له عن الأنظمة الأخرى كالديمقراطية والأرستقراطية.
أما ماكس فيبر- ألمع منظري علم الاجتماع السياسي- فيعد أهم من وضع نظرية حول البيروقراطية، وقد عرفها من خلال خصائصها معتبرا إياها تعبيرا عن العقلانية في النظام الرأسمالي، فهي ميكانزم عمل الرأسمالية، والخاصية الجوهرية لها، وقد حدد تلك الخصائص بما يلي:
تقاضي أفرادها للرواتب اعتمادا على جدول مرتبات معين، وتتطلب الوظيفة في الجهاز البيروقراطي إخلاصا موضوعيا والتزامات مفروضة على القائم بها وخصوصا أن هناك استقلالا نسبيا عن الدولة من خلال النظام المؤسساتي، فضلا عن وجود درجة معينة من التخصيص الوظيفي، وتقسيم للعمل على أساس فردي، كما أن ارتباط البيروقراطية بالتكنولوجيا تساعد على تطوير وسائل فنية تيسر التبادل، كالمال والتسليف والبنوك، وأخيرا وليس أخرا فإن البيروقراطية تشكل الظاهرة المحورية في النسق وأساس التفاعل الاجتماعي.
لقد حثت دراسة ماكس فيبر الباحثين الاجتماعيين والسياسيين على الاهتمام بالتأثير الذي يلعبه الجهاز البيروقراطي في النسق الاجتماعي، وعلى النسق السياسي بوجه خاص في المجتمعات الحديثة، ومن أبرز من درس البيروقراطية بعد فيبر وأهم من كتب فيها (ميشيل كروزيه).
يعد كروزيه من الذين تناولوا البيروقراطية من خلال المدخل الإنساني، حيث ربط بين تطورها وتضاؤل الحرية الفردية، فهي بالنسبة له مكونة من دوائر الدولة يعمل بها موظفون معنيون، ومنظمة بشكل تسلسلي وتعتمد على سلطة حاكمة.
وربما عبر كروزيه عن شعور بالأسى لواقع البيروقراطية في أوربا، على عكس فيبر الذي أضفى صفات إيجابية عليها لأنه نظر إليها في سياق الدفاع عن النظام الرأسمالي في مواجهة النظم الأخرى وخصوصا الشيوعية.
ومن ثم يرى كروزيه (أن البيروقراطية هي تنظيم لا يستطيع تصحيح سلوكه عن طريق إدراك أخطائه السابقة، إذ أن القواعد التي تعتمد عليها البيروقراطية غالبا ما يستخدمها الأفراد لتحقيق أغراضهم الشخصية).
ويأتي موريس دفرجيه بعد كروزيه من حيث الأهمية، وقد اعتبر دفرجيه البيروقراطية جماعة من الموظفين المهنيين، يقومون بمهنة ذات مظهر خاص، ويتم الدخول والتدرج والانضباط والتعويضات والمخالفات تنظيما دقيقا، وتكون المنافسات ذات صفة شخصية محدودة، كما تكون الكفاءات محدودة في كل الدرجات بمعايير موضوعية بواسطة الشهادات والامتحانات والمباراة، وبصورة عامة يعمل التنظيم البيروقراطي بأكمله وفقا لقواعد محدودة بدقة، وتكون موضوعية سواء تعلق الأمر بالعلاقات السلطوية الداخلية، أو بالعلاقات مع الموظفين، أو الصلات مع المتعاملين.
البيروقراطية
Bureaucracy:هذه الكلمة مشتقة من كلمة فرنسية ""bureau ومعناها “مكتب"، وكلمة يونانية "kratos" ومعناها "السلطة والحكم"، ولذلك يمكن تعريف البيروقراطية بأنها: السيطرة والنفوذ الواسع اللذان تتمتع يهما الإدارات العامة في الدولة، حيث يتمسك موظفو الحكومة بالروتين، الذي يتميز بالشكليات والرسميات والتفاصيل الجزئية المعقدة.
وبصورة عامة هناك سبعة مفاهيم حديثة للبيروقراطية، كل منها يعد تطويرا لسابقه، هي:
المفهوم الأول: هو الذي ينظر إلى البيروقراطية بوصفها تنظيما عقليا، وقد تأثر أنصار هذا الاتجاه بالتفسير الفيبري للبيروقراطية، وحالوا فهم العلاقة بين العقلانية التي هي سمة للنظام الرأسمالي، والخصائص التي حددها ماكس فيبر للبيروقراطية، وتساءلوا إلى أي حد تعبر هذه الخصائص عن النظام الرأسمالي؟ وقالوا بأنه لا توجد علاقة ضرورية بين هذه الخصائص والعقلانية وإن كلاهما لا يدخلان ضمن تعريف البيروقراطية، فالعلاقة بين خصائص نظام اجتماعي بالذات والنتائج المترتبة عليه مسألة يحددها البحث الامبريقي (العلمي)، وعموما فإن البيروقراطية من هذا المنظور تشير إلى نموذج للتنظيم الرشيد يلائم تحقيق الاستقرار والكفاءة الإدارية.
المفهوم الثاني: وهذا المفهوم يصل إلى النتيجة التي توصل إليها ميشيل كروزيه باعتبار أن البيروقراطية شيء يتعارض مع الابتكار الإداري، إذ إن العرض الآلي للسلوك الإنساني الذي يشكل قاعدة البيروقراطية يؤدي إلى خلل وظيفي خطير، لأن بنية المنظمة تؤدي إلى إشراف متزايد من قبل القادة على انتظام سلوكيات المرؤوسين.
المفهوم الثالث: ينطلق هذا المفهوم من المعنى الاشتقاقي للبيروقراطية، أي حكم الموظفين، وعليه فهو بحسب هذا المفهوم نظام حكومي تكون الرقابة عليه متروكة كلية في يد طبقة من الموظفين الرسميين الذين تحد سلطاتهم من حرية الأفراد العاديين، ويغلب على هذا الجهاز الإداري الرغبة الشديدة إلى الالتجاء إلى الطرق الرسمية في الإدارة والاعتماد على المرونة من أجل تنفيذ التعليمات، وكذلك البطء في اتخاذ القرارات والعزوف عن الالتجاء إلى التجارب، كما يتحول أعضاء (البيروقراطية) إلى طائفة تحتكر العمل الحكومي من أجل مصلحتها الخاصة، ويتحول عملها إلى غاية في حد ذاته.
المفهوم الرابع: وهو المفهوم الذي استخدمته الأنظمة ذات الطابع الشمولي، التي ترى أن البيروقراطية نوع من الإدارة العامة، لذلك كان الاهتمام بالجماعات التي تؤدي الوظائف أكثر من الاهتمام بالوظائف ذاتها.
إن ارتباط البيروقراطية بالإدارة العامة أصبح يمثل محاولة لاستخدامها كوحدة للتحليل في الدراسات المقارنة، وأغلب الدراسات التي اعتمدت على ذلك صنفت البيروقراطية انطلاقا من مدى استغراقها في العملية السياسية.
المفهوم الخامس: وهذا المفهوم تأثر بماكس فيبر أيضا، ويعتبر البيروقراطية إدارة الموظفين، لذلك اهتموا بفحص كفاءة النموذج المثالي وقدرته على استيعاب كافة خصائص الإدارة، وكذلك ركز على فعالية الجهاز الإداري، لذلك انتشر هذا المفهوم في علم الإدارة أكثر من علم السياسة.
المفهوم السادس: وهو الذي يعتبر البيروقراطية غير مقتصرة على الجهاز الحكومي، بل الذي يولد عندما ترسى أصول صريحة لتنسيق نشاطات مجموعة معينة من أجل بلوغ أغراض محددة، أو أنه وحدة اجتماعية تحقق أهدافاً محددة، إلا أنه يتميز- هذا التنظيم- بالتسلسل الرئاسي والتباين في التخصيص.
إلا أنه يلاحظ في هذا التعريف قد يعوم مصطلح البيروقراطية إذ إن كل المجتمعات مهيكلة في تنظيمات متباينة، كما يصعب الفصل بين التنظيم والإدارة.
المفهوم السابع: وهو المفهوم الذي يعتبر أن البيروقراطية تعبير عن المجتمع الحديث، كما ماركس حين أطلق عليها لفظ المجتمعات الرأسمالية التي تعتبر مرحلة متقدمة وفق التفسير المادي للتاريخ.
وذهب أنصار هذا المفهوم بعدم وجود تفرقة بين رجال الإدارة ورجال السياسة، وعدم ضرورة لوجود ثنائية تقليدية تفصل الدولة والبيروقراطية، أو بين المجتمع وبين وجود عدد هائل من التنظيمات الكبرى التي تجسد البيروقراطية في هيكلة الدولة الحديثة