تعريف إقتصاد السوق:
يسمى كذلك بالاقتصاد الرأسمالي ، ويقوم على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج والمبادرة الفردية ويخضع لتفاعل العرض والطلب داخل السوق.
إن المؤسسات الثلاثة الرئيسية اللازمة لـ"البنية التحتية الخفيفة" في اقتصاد السوق هي: النظام القانوني، ونظام المحاسبة، والمواقف الثقافية. هذه المؤسسات، إذا ما اجتمعت سوية، فهي أشبه بكرسي بثلاثة أرجل، حيث أن أي ضعف أو قصر في إحداها سيقلل من استقرار الكرسي إلى حد كبير.
تعريف اقتصاد السوق الاجتماعي:
أحسن المصطلحات والشعارات لا تعني شيئاً، إذا لم تؤكد الممارسة مصداقيتها.
واليوم في إطار الصراع الجاري مع قوى السوق الكبرى التي تريد سوق فوضى تسميها «بالحرة»، يأتي مفهوم اقتصاد السوق الاجتماعي ليفتح إمكانية، مجرد إمكانية، للقوى المناهضة لأخطار السوق الحرة، كي تمنع حدوث كارثة إذا أحسنت تنظيم قواها وعبأت قوى المجتمع معرفياً وسياسياً في الاتجاه الصحيح.
وبعبارة أدق، إن مصطلح اقتصاد السوق الاجتماعي، ليس تعويذة قادرة بلمسة ساحر على إيقاف قوى السوق الكبرى المنفلتة والمتوحشة والمرتبطة بقوى السوق العالمية، فالشكل النهائي والملموس له ستحدده على الأرض محصلة صراع القوى الاجتماعية المختلفة، والذي يجري في بيئة إقليمية وعالمية غير ملائمة مؤقتاً للقوى النظيفة في جهاز الدولة والمجتمع.
لذلك فإن وضوح صياغة المفاهيم، وإيجاد أشكالها التطبيقية على الأرض سيرتدي أهمية كبيرة بالنسبة لمآل الصراع الجاري في البلاد حول آفاق التطور اللاحق.
من هنا تأتي أهمية الإجابة الدقيقة والواضحة عن الأسئلة التالية:
1- ماهي علاقة اقتصاد السوق، حتى لو كان اجتماعياً، بأشكال الملكية المختلفة (خاص، دولة، عام، الخ)؟
يحاول البعض أن يتنصل من هذا الموضوع، كي يبقى الطابع الاجتماعي لاقتصاد السوق معوماً؟ والمقصود بالاجتماعي هو: مصالح أية فئة اجتماعية يجب أن يخدم في ظل وجود مصالح متناقضة في المجتمع مستحيلة التوافق فيما بينها؟ أي بكلام آخر كيف يجري توزيع الدخل الوطني في المجتمع؟ وفي نهاية المطاف ما هي العلاقة بين الأجور والأسعار؟
لذلك يبقى الكلام عن اقتصاد السوق الاجتماعي بلا معنى، إذا لم يلامس أشكال الملكية التي تؤثر على طريقة توزيع الدخل، من هنا يصبح واضحاً أن أي تراجع لدور الدولة وأشكال ملكيتها هو خطوة إلى الوراء موضوعياً فيما يخص العدالة الاجتماعية، حتى لو كان هذا الدور من خلال ما ينتجه من قيمة مضافة يجري حتى الآن ليس لصالح الجماهير الشعبية، فهذا الدور هو شرط ضروري للعدالة الاجتماعية ولكنه غير كاف إذا لم يرافقه ضرب لمواقع الفساد يسمح بإعادة توزيع عادلة، وغني عن البيان أن التراجع عن هذا الشرط الضروري يطيل المسافة نحو العدالةالاجتماعية.
ما هي علاقة اقتصاد السوق الاجتماعي بدرجة التحكم أو العفوية في الاقتصاد؟
من المعروف أن الاقتصاد الآن هو في أحسن الأحوال اقتصاد سوق مشوه، وهذا يعني أن درجة التحكم فيه منخفضة بغض النظر عن الإعلانات المختلفة حول دور الدولة المركزي سابقاً، وهذا يعني أن درجة عفوية فعل قوانين السوق عالية، والسير إلى الأمام يتطلب تخفيف التشوه وصولاً إلى إزالته لا زيادته، مما يتطلب زيادة درجة التحكم الواعي الذي يتطلب دوراً جديداً للدولة، كما يتطلب تخفيض مساحة عفوية فعل قوانين السوق التي تنعش وتقوي قوى السوق الكبرى، وهذا إن حصل سينعكس إيجابياً على و تائر النمو التي تتطلب موارد يجب توجيهها نحوه بشكل واع، كما يتطلب تغيير معادلة الأجور والأرباح بشكل واع وعقلاني نحو تحقيق العدالة الاجتماعية مع كل ما يتطلبه ذلك من تحكم بالأسعار والضرائب والاستثمار وإزالة الفساد.
ما محتوى اقتصاد السوق الاجتماعي بعلاقة الاقتصادي والاجتماعي؟
حتى الآن يحمّل البعض انخفاض الفعالية الاقتصادية لنشاط الدولة لأعبائها الاجتماعية، والواقع أن العبء الاجتماعي هو دور وواجب للدولة، لا مبرر لوجودها دونه في العالم المعاصر، ولكن السؤال: كيف يجب ممارسة هذا الدور؟
إن رفع الفعالية الاقتصادية على مستوى المنشأة عبر القضاء على النهب والفساد و الهدر، سيؤمن تلك الفوائض الضرورية لممارسة الدولة لدورها الاجتماعي في التعليم والصحة والثقافة.. إلخ.. التي هي مجالات للاستثمار البعيد المدى وليست استهلاكاً لا تقوى الدولة عليه. وخلاصة القول إن قوى السوق الكبرى تريد تخفيض دور الدولة الاقتصادي، وبالتالي الاجتماعي، لتصبح لا دولة، كي تبني دولتها الحامية لانفلات قوى النهب والفساد، ولكن هذه المرة بشكل مقونن ومشروع حقوقياً.
ما وضع قوة العمل في السوق الاجتماعي؟
من المعروف أن مكونات السوق هي البضائع و الرساميل وقوة العمل، وأنصار السوق الحرة يريدون تحرير سوق البضائع و الرساميل، وإبقاء سوق قوة العمل مقيدة، بالمعنى الاقتصادي: حيث تثبيت الأجور، وبالمعنى السياسي: حيث منع أية مطالبة بالحقوق بأي شكل كان. إن اقتصاد السوق الاجتماعي الذي يحرر البضائع
و الرساميل من كل قيد ويبقي قوة العمل مقيدة هو اقتصاد سوق أكثر تشوهاً من الذي عرفناه، وهو ينقلنا عملياً إلى دكتاتورية الرساميل، لذلك يصبح تحرير قوة العمل أجراً وحقوقاً هو الشرط الضروري لاقتصاد سوق اجتماعي متوازن.
السياسة الاجتماعية واقتصاد السوق الإجتماعي:
إن درجة عمق الدور الاجتماعي لاقتصاد السوق الاجتماعي سيحدده عوامل موضوعية لها علاقة بدرجة استعداد المجتمع من جهة للدفاع عن حقوقه و من جهة أخرى قدرة جهاز الدولة على استيعاب ضرورات الجانب الاجتماعي من التطور وإيجاد الآليات والموارد المختلفة الضرورية له.
وعن مشكلة الموارد تحديداً لتأمين الدور الاجتماعي للدولة، وإمكانية تأمينه ومصادر هذه الموارد سيتحدد مصير العملية الاجتماعية كلها. إذ أن حجم الموارد الضرورية، هي قضية مرتبطة بنهاية المطاف بطريقة تأمينها وتوجيهها بالاتجاه الصحيح. وهذه القضية لا يمكن أن تخرج خارج إطار الصراع الاجتماعي بين الأجور والأرباح، إذن فتناسب القوى الاجتماعية والبرامج الملموسة التي تعبر عنها هي التي ستحدد مآل هذه العملية في نتائجها. وفي حال تم تحقيق الجانب الاجتماعي وتلبية حاجاته، فستنفتح الآفاق للعملية الاقتصادية نفسها كي ترتقي إلى مستوى أعلى نوعياً مما كانت عليه. وفي حال لم يتحقق ذلك، ستدور العملية الاقتصادية في حلقة مفرغة باتجاه التباطؤ التدريجي وانخفاض نسب النمو وتحولها إلى نسب سلبية مع ازدياد تدهور كل المؤشرات التي لها علاقة بالوضع المعاشي والاجتماعي. لذلك لابد من دراسة بعض جوانب هذه العملية واحتمالاتها المختلفة في ظل الخيارات والآراء. سنتناول في البحث المواضيع التالية:
-1- مشكلة مستوى المعيشة وطرق حلها: حسب دراسة مسح دخل ونفقات الأسرة 2004 هناك 3.5 مليون شخص أو 30% من السكان تحت خط الفقر، وكشفت علاقة الفقر بروابط التعليم والنوع لاجتماعي و التوزع الجغرافي ولكنها لم تستطع أن تكتشف الرابط المركزي للفقر.
إن الشعبوية بعينها هي التي تطلق شعارات براقة بحجة محاربة الفقر وغيره ولكن تخفي في طياتها حين البحث والتمحيص ديماغوجية اقتصادية تستخدم لغة شعبوية للتطمين.
إن قضية مستوى المعيشة حين المعالجة يجب أن تأخذ بعين الاعتبار النقاط التالية:
-1- خط الفقر المقترح دولياً شيء، والحد الأدنى لمستوى المعيشة الضروري الذي يضمن الحد الأدنى للكرامة الإنسانية شيء آخر.
-2- إن قضية انخفاض مستوى المعيشة تخلق توتراً اجتماعياً غير مسموح باستمراره في جو المخاطر الإقليمية والتي يفرضها تغير الوضع الدولي في العقد الأخير، إذا كنا نريد الحفاظ على الوحدة الوطنية وعلى إرادة المواجهة.
-3- المشكلة الأساسية تكمن في استحالة حل قضية مستوى المعيشة ضمن آجال منطقية تفرضها حساسية الوضع السياسي الحالي، دون إعادة النظر في العلاقة جذرياً بين الأجور والأرباح، وهي قضية خرجت بالتالي من دائرة مفهوم العدالة الاجتماعية البحتة إلى دائرة الأمن الوطني.
-4- من كثرة استخدام مصطلح الحد الأدنى لمستوى المعيشة، تراءى للبعض أن الوصول إليه هو هدف بحد ذاته، بينما المقصود أن يتحول هذا الحد الأدنى إلى مقياس لدراسة مستويات المعيشة الأخرى وخاصة الحد المتوسط للمعيشة الذي يجب أن تذهب الجهود باتجاه .
-5- يجب أن تبحث جدياً قضية الآجال الضرورية لحل مشكلة مستوى المعيشة ليس من زاوية الممكن ضمن الإحداثيات الاقتصادية الاجتماعية المشوهة الحالية وإنما انطلاقاً من الضرورات السياسية الاجتماعية التي تفرضها حدة المعركة التي تدور حول البلاد وفيها، وأعتقد أن حل هذه المواضيع يجب أن يتم حتى ضمن آجال متوسطة فقط لا غير من 5 إلى 10 سنوات كحد أقصى، فالشعوب تستحق أن تتمتع بثروات وخيرات بلدانها وأن لا تؤجل القضية إلى الأحفاد دون ضمانات حقيقية.
-6- إن انخفاض مستوى المعيشة يخلق سلسلة من المشاكل المشتقة منه وأولها الفساد والانحرافات الاجتماعية واستنزاف قوى العمل و انخفاض الإنتاجية وابتعاد الرساميل عن الاستثمار الحقيقي المنتج نتيجة انخفاض القوة الشرائية في المجتمع.
والسؤال هل لدينا حلول أخرى حقيقية وقابلة للتطبيق؟
نعم لدينا:
-1- لا يوجد هناك حل إلا حل قضية الحد الأدنى للأجور و رفعهما يتماشى واقتصاد السوق.
-2 -البطالة:
يجب تحديد مشروع لتخفيض معدل البطالة إلى أقصى حد ممكن لتخفيض حدة التوتر الاجتماعي الذي تسببه ظاهرة خطيرة كالبطالة.
نعتقد أن هذا الموضوع يندرج أيضاً ضمن مفهوم الأمن الاجتماعي الذي يتطلب حله الالتزام بآجال متوسطة المدى. فالبطالة إلى جانب كونها قوى وثروة مهدورة فهي تخلق بؤر توتر اجتماعي يسبب توسع دائرة المهمشين.
فهل هناك حلول عملية واقعية للموضوع في الظرف الحالي؟. إن البحث العلمي الجاد يؤكد أنه يمكن إيجاد حلول
إن حل مشكلة البطالة يتطلب التوسع في الاستثمار وتوسيع القاعدة الاقتصادية.
-3- الدعم الحكومي:
ليس هنالك دولة في العالم لا تقدم الدعم لجهات اعتبارية أو فردية، ويخدم الدعم في النهاية أهداف سياسية اقتصادية واجتماعية. فالبقرة في أوروبا تحظى بدعم يومي قدره 2.5 دولار أما في اليابان فوضعها أحسن إذ تحظى بـ 7.5 دولار يومياً، (المفارقة مع حد الفقر الأدنى)
أما الولايات المتحدة ذات الاقتصاد الحر فتدعم مزارعيها، وأوروبا يشكل مجموع الدعم الزراعي 30% من قيمة الإنتاج النهائي.
إن معزوفة أن يذهب الدعم إلى مستحقيه ولإعادة النظر تحمل في طياتها خطر أن يتبخر الدعم عن مستحقيه وغير مستحقيه.
إن سياسة الدعم يجب أن تعتمد على فكرة أن الدولة لا يجب أن تقوم بدور الجابي والتاجر بقدر ما تقوم بدور الضامن للأمن الاجتماعي وللاستقرار السياسي.
إن السياسة الاجتماعية الصحيحة هي التي توجه السياسات الاقتصادية ضمن منظور أولويات وأهداف محددة على
أساس آجال زمنية مدروسة
من المعلوم أن معظم الدول النامية حصلت على استقلالها السياسي بعد الحرب العالمية الثانية وقد خرجت تلك الدول مثقلة بهموم ومشاكل من أبرزها الفقر والجهل والتخلف وعدم القدرة على إدارة مواردها المحلية، وكذلك انتشار الأمية والحساسية الناتجة عن الاختلافات العرقية والطائفية والمذهبية التي بدأت تنخر جسمها الهزيل. إزاء هذه الأوضاع لم تجد تلك الدول مناصًا من إتباع النظام المركزي حرصًاًً منها على تخصيص الموارد المحدودة وتوزيعها بصورة عادلة على الأقاليم، إضافة إلى الهدف الأساسي الذي سعى إليه قادة تلك الدول وهو محاولة بناء دول جديدة واللحاق بالدول الصناعية المتقدمة بواسطة القيام بتنمية اقتصادية سريعة لتقليل الفجوة التي تفصلها عن هذه الدول.
ويبدو أن تلك الدول التي طبقت النظام المركزي في الستينيات والسبعينيات لم يعد بإمكانها الاستمرار بتطبيقه بصورته المطلقة، حيث فشلت كثير من الخطط والبرامج الوطنية التي اعتمدت هذا المنهج. لقد تسارعت خطى التحول المؤسسي خلال العقدين الماضيين، وشهدت فترة الثمانينيات والتسعينيات تغيُِّرات دراماتيكية غير عادية في النظام الحكومي والاقتصادي . فقد تعززت حركة الديموقراطية السياسية تلك الحركة التي تنادي بزيادة استقلال السلطة التشريعية وترسيخ المسئولية الحكومية وسرعة استجابتها للاحتياجات المتزايدة للمواطنين. كما ساد مفهوم وممارسة التوجه إلى خيار السوق الحر لمواجهة المشكلات الاقتصادية مع ما حمله هذا التوجه من كافة مظاهر الخصخصة وتنازل الحكومات عن كثير من وظائفها التقليدية لصالح القطاع الخاص.
وشهدت تلك الفترة اهتمامًًا متزيدًًا ومتسارعًًا في تبني اللامركزية وتقوية قدرات نظم الإدراة المحلية وتعزيز المساءلة والشفافية
والمشاركة الشعبية. كل هذه التغيرات التي ولدت فكرًًا وممارسة في أحضان الدول المتقدمة بدأت تشكل عاملاً ضاغطًا للدول النامية.حيث أصبح تبني تلك المفاهيم حالة من حالات الاندماج والتكيف مع العولمة واشتراطاتها.
بالرغم من الحسنات والمزايا التي لا يمكن تجاهلها لنظام اللامركزية الإدارية فلا يمكن اعتباره البلسم الذي يداوي معظم مشاكل دول العالم الثالث الاقتصادية والإدارية، والسياسية والاجتماعية، حيث أن هناك ظروف وحالات قد تستوجب تطبيق النظام المركزي. وعليه فإن القضية بالنسبة للدول النامية ليست اختيار أي من هذين النظامين بقدر ما تعنيه من ضرورة تبني مزيج من النظامين. من هنا يتضح أن هناك تحدي وإشكالية تواجه الدول النامية لابد من مواجهتها والتصدي لها من خلال تقديم نموذج يتناسب مع ظروف تلك الدول.
وعليه ما هي أشكال المركزية واللامركزية في نظم الإدارة المحلية في الدول النامية و ، وما هي العوامل التي تسهم أو تؤثر في خيار تلك الدول لتبني أي شكل من أشكال نظم الإدارة المحلية ، وما هو الأسلوب الأمثل الذي يمكن إتباعه لتحقيق المستوى المطلوب من الفاعلية والكفاءة.
أولاً : المركزيـة :
/1المفهوم والخصائص:
ببساطة تعني المركزية "تركيز السلطة في المركز، وتتضمن تجميع الصلاحيات والسلطات في أيدي الموظفين العامين في العاصمة. وينطلق مبدأ المركزية من المقولة التي تدعي بأن كفاءة وفعالية المؤسسة تتزايد من خلال تركيز اتخاذ القرارات بيد شخص واحد أو رئيس منسق واحد، فهو متخذ القرار النهائي لكل موضوع يعرض عليه، ويمكنه تفويض بعض أو إلغاء كل القرارات التي يتخذها مرؤوسيـه بغض النظر عن مشروعيتها
إن الحكومة المركزية في ظل هذا النظام ، تمارس كل الوظائف الإدارية في العاصمة والأقاليم المختلفة من خلال المؤسسات المركزية وفروعها. من هنا يمكن أن يوصف النظام المركزي بخاصيتين أساسيتين هما:
أولاً: تركيز صلاحية اتخاذ القرار النهائي بأيدي الموظفين الحكوميين في العاصمة، وهنا لابد من الإشارة إلى أن المكاتب الإقليمية أو ممثلي الأجهزة المركزية في الأقاليم لا تخرج عن هذا الإطار المركزي حيث لا تملك حق التصرف الذاتي دون الرجوع إلى المركز.
ثانيًا: إن جميع الموظفين العاملين يخضعون لما يسمى بالتدرج الهرمي ، والتي تقتضي ضرورة رجوع كل مستوى من المستويات الإدارية للمستوى الأعلى.
/2المركزية : ما لها وما عليها
بالرغم من أن مجرد ذكر كلمة "المركزية" تثير حفيظة المفكرين والدارسين لما تمثله من معان سلبية تراكمت على مر الزمن ، إلا أننا نجد بعض المزايا التي يمكن تلمسها عند تطبيق هذا الشكل من الإدارة منها ما هو نظري ومنها ما هوعملي اختبرته التجربة يتمثل بما يلي:
- تساعد المركزية على وحدة الدولة والمجتمع، وحمايته من مخاطر المصالح الضيقة للمجموعـات الفرعيـة
- يساعد إتباع النظام المركزي عملية الرقابة الحكومية على الموارد الوطنية وعدالة توزيعها على الأقاليم المختلفة.
- يعتبر النظام المركزي أكثر ملاءمة للدول التي تعاني من مشاكل وقضايا معقدة وذلك لتحقيق وحدة المجتمع وتجانسه،
- إن عملية تجميع مظاهر النشاط الإداري في يد جهاز الإدارة المركزية دون إفساح المجال لظهور سلطات
إدارية أخرى تتمتع بالشخصية المعنوية أدّى إلى ظهور كثير من السلبيات من أهمها:
· زيادة أعباء الأجهزة الحكومية المركزية الأمرالذي يؤدي إلى تأخير معامـــلات المواطنين، مما يعني مزيـــدًا من عــدم الرضا عن الإدارة العامة وبروز ظاهرة التذمر بين المواطنين.
· إشغال موظفي المركز بقضايا ثانوية على حساب وضع السياسات العامة والاستراتيجيات
والخطط التي يجب أن تكون من صلب عمل موظفي المركز.
· إضعاف روح المبادرة لدى موظفي الأقاليم ، وضياع طاقات يمكن أن تسهم في تنمية المجتمع التي هي بأمس الحاجة إليها.
· إن للأقاليم وفروع الدولة خصوصية وأولويات أبعادها الحقيقية إلا سكانها، لذا يتوقع من تطبيق المنهج المركزي
· تجاهل كثير من الأولويات والحاجات المحلية وربما تقديم حلول غير مناسبة لبعض المشاكل التي يعاني منها.
/3أشكال المركزية:
لقد تطور مصطلح المركزية كمفهوم وممارسة تبعًا للظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي مرّت بها دول العالم، من هنا فقد عرفت أدبيات الإدارة الحكومية شكلين من أشكال المركزية هما:
1. المركزية المطلقة :
وهو الشكل التقليدي الذي مورس في فترات تاريخية سابقة تزامنت مع محدودية النشاطات التي كانت تقوم بها الحكومة وأجهزتها التنفيذية والتي تمثلت في صيانة الأمن الداخلي والخارجي وجمع الضرائب.
2. عدم التركيز الإداري :
يعتبر عدم التركيز الإداري شكلاً مخففًا من أشكال المركزية ، ويمكن تعريفه بأنه : "عملية نقل بعض الصلاحيات والاختصاصــات من المركز إلى فـروع الوزارات في الأقاليم المختلفـة".
إنها عملية تخفيف العبء عن كاهل موظفي العاصمة خصوصًا بعد نمو النشاط الإداري للدولة. ولقد ساهمت تلك العملية بأن أصبحت الإدارة قريبة من السكان المحليين وطلباتهم وحاجاتهم، وباتت العملية
الإدارية أكثر تمثيلاً لحاجات وطموحات السكان.
وفي هذا الشكل يحتفظ المركز بحق السلطة الرئاسية وما ينجم عنها من حق مراجعة قرارات فروع الحكومة وتعديلها أو إلغائها حسب ما تراه مناسبًا. وبمعنى آخر فإن فروع الوزارات المختلفة ضمن هذا المفهوم تعتبر وحدات مرؤسة لا تمتلك حق اتخاذ القرارات الرئيسية والحاسمة، وتنحصر واجباتها في التنفيذ الفعلي لقرارات المركز مع الاحتفاظ بهامش صغير من حرية العمل.
في ظل هذا النظام يبدو أن تأثير الحكومة المركزية أقوى من تأثير السكان المحليون، كما أن الموظفـين في الميدان لا يشعرون بأمـان وأمن مطلق. وفي هذا المجال يضيف هيجر هنا بأن نظام عدم التركيز الإداري هو عبارة عن طريقة تحاول الحكومة المركزية من خلالها زيادة قوتها وسيطرتها إضافة إلى كونها أداة فعالة لكبح وتقييد الحريات وهذا يعكس مدى محدودية صلاحيات وحدات عدم التركيز الإداري التي تخضع للرقابة الهيراركية من قبل الحكومة المركزية
9 - الإصلاحات الاقتصادية أو الإدارية: الرهانات و التحديات،
المفتاح لإصلاحات ناجحة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يقضي باعتماد الروابط بين الإدارة الديمقراطية واقتصادات السوق.
• الضغوط الديموغرافية، القطاع العام العاجز، والحاجة إلى تنوع اقتصادي يقوده القطاع الخاص هي مواضيع تشكل قمة الّتحديات التي تواجهها بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
• الإصلاحات المجدية تستدعي الابتعاد عن الحكومات الاحتكارية التي تطوق القوى السياسية والاقتصادية
الـجزائر تعيد بناء نفسها على أسس جديدة منذ ما يناهز الـخمسة عشرة عاما. و لقد قطعت أشواط هامة في إقامة و بسط نظام سياسي ديـمقراطي و نظام اقتصاد السوق. و الـمسار هذا قد تـم خوضه على أساس العبر والدروس الـمستقاة من التـجربة السابقة لبناء البلاد، التـجربة التي أملتها الظروف التاريخية العسيرة التي اكتنفت استعادة استقلالها.
إن التوجه نـحو إحداث تـحولات سياسية و اقتصادية واجتـماعية لـم يتزعزع بفعل العشرية المشئومة التي تكبدها الشعب الـجزائري. فلـم تنل لا الـموجة الإرهابية، و لا عدم تفهم بعض شركائنا، و لا عدم اكتراث البعض الآخر، من إصرار الـجزائر على الـمضي قدما.
لـم تستطع الـجزائر أن تبقي و تعزز الطابع الديـمقراطي و الـجمهوري للدولة القائم على تكريس الـحريات الأساسية و حقوق الإنسان فحسب، بل استطاعت كذلك أن تضمن لا رجعة تـحولات نـمط تنظيـم وسير الاقتصاد فيها.
وهكذا تأكد مبدأ الـحرية، بحيث بات اليوم الركن الركين للـحياة السياسية و الاقتصادية.
صحــيح أن الإصــلاحات جاءت في الـجزائر متأخرة وتـم الشروع في معظمها خلال فترة التعديل الهيكلي الأليـمة التي رافقها تـحرير الأسعار، الذي أصبح اليوم تـحريــــرا كليـــا أو يكاد، و إغــلاق الـمؤسسات العمومية (أكثر من 400) وتسريح لا مناص منه للعمال
(أكثرمن 400.000 بين 1995 و 1997).
لكن هذه التـجربة الصعبة لـم تنقص شيئا من إرادة الـجزائر في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية بحذافيرها. وهو الأمر الذي تـجسد بإبرام اتفاق الشراكة مع الإتـحاد الأوروبي الذي من الـمقرر أن يفضي إلى قيام منطقة تبادل حر، و يتواصل بالتفاوض الـحازم حول الانضمام إلى منظمة التـجارة العالـمية الذي تنتظر الـجزائر بشأنه مساندة شركائها.
و في مرافقة هذا الاختيار، تقوم الـجزائر، على الـمستوى الداخلي، بالتغييرات و التعديلات اللازمة. وهكذا، فإن مراجعة القوانين، قصد تكييفها مع اقتصاد السوق، قد بلغت مرحلتها النهائية أو تكاد.
و هكذا، تـم، كذلك، فتـح الـمجال أمام الشراكة والاستثمار الـخاص محليا كان أم أجنبيا، و تقديـم التشجيع لهما، وقد تـم جني بواكير ثمارهما. و على سبيل الـمثال، شهدت السنوات الـخمس الـمنصرمة إسهاما يقدر بأكثر من 6 ملايير دولار من الاستثمار الـخاص الـمحلي و بـما يربو عن 10 ملايير دولار كاستثمارات أجنبية مباشرة. و يـمثل القطاع الـخاص اليوم أكثر من 50% من حجم واردات البلاد وما يقارب 2/3 النـمو خارج قطاع الـمحروقات.
كما يخص الإصلاح قطاع الـخدمات، سواء أتعلق الأمر بالاتصالات أم بالبنوك (على سبيل الـمثال )، حتى وإن ظل هذا الـمسار ينتظر منا الاستكمال.
أخيرا، إن الـجزائر، من منطلق وعيها بأن الإصلاح الاقتصادي لا بد أن يـمر حتـما بـمرحلة انتقالية، ترافق انفتاحها بـمجهود عمومي لدعم التنـمية والنـمو، الـمجهود الـمتوخى منه أن يفسح أكثر فأكثر مكانا للرأسمـــال الـخاص. و هكذا، فقد شهدت السنوات الـخمس الـماضية تقديـم إسهام عمومي للاستثمار يقدر بقرابة 30 مليار دولار. و سيتواصل هذا الـمجهود على امتداد السنوات الـخمس القادمة، الأمر الذي سيتيح سوقا مغرية للاستثمار الـخاص، الـمحلي و الأجنبي على حد سواء
الـمرحلة الـجديدة:استـمرارية إستراتيجية و أنـماط عمل معززة.
تبقى الـمصالـحة الوطنية و الاستقرار و الديـمقراطية والتنـمية الاقتصادية و التلاحم الاجتـماعي الـمكونات الأساسية لـمسعى التـجدد الوطني الواجب استكماله.
وتوخيا للبلوغ بهذا الـمسار مداه في أفضل الظروف، رسمت الـجزائر لنفسها، في هذه الـمرحلة الـجديدة، ستة أهداف ذات أولوية، و هي تبذل جهودا حثيثة مكثفة لتـحقيقها.
الهدف الأول: إصلاح العدالة لتعزيز دولة الـحق و القانون.
إن تعزيز دولة الـحق و القانون يفرض نفسه لتأمين حماية أفضل لـحقوق الإنسان و دعم أمن الأشخاص والـمـمتلكات و الأنشطة الاقتصادية.
لقد تـم بعد قطع شوط بعيد في إصلاح العدالة. وإنه يتعين إتـمامه من حيـــث أن الـمنظومة القضائية تشكل قطب رحى دولة الـحق و القانون. و في هذا السبيل، سيشمل العمل:
- تعزيز استقلالية الـمنظومة القضائية و مصداقيتها،
- تسهيل الوصول إلى هذه الـمنظومة و تعجيل وتيرة معالـجة الـخلافات وتنفيذ القرارات،
- إتـمام مسار التساوق التشريعي، ضمانا لـمطابقته مع إلتزامات الـجزائر و تعهداتها الدولية،
- تعزيز تكوين القضاة و مضاعفة الإمكانيات الـمادية للشبكة القضائية وشبكة السجون.
الهدف الثاني: مواصلة إصلاح هياكل الدولة و مهامها.
إن الإصلاح هذا يهدف، في حقيقة الأمر، إلى إرساء الدولة الـجزائرية على أسس جديدة حقا، استـجابة للـمقتضيات الـجديدة الناتـجة عن التـحولات السياسية والاقتصادية و الاجتماعية التي تشهدها الـجزائر. و قد تـم إطلاقه منذ عامين، و هو يشكل إحدى ورشات العهدة الـخماسية الـحالية ذات الأولوية.
إن الإصلاح هذا، الشامل الـمدى، يتوخى تزويد الإدارة بالأدوات الـمكيفة و الوسائل اللازمة كي تساند الـمسار الديـمقراطي، و تـجذير الـحكم الراشد و عصرنة الاقتصاد و إفاضة التقدم الاجتماعي، مساندة فعالة.
فالـمسار الذي شرع فيه يتطلع، إذن، إلى إعادة تـحديد طبيعة علاقات الدولة بالـمجتـمع و بالدائرة الاقتصادية وكذا إلى تعميـم الأنـماط التشاركية للتسيير على كافة الـمستويات.
إن الهدف الأساسي إنـما هو تـحويل الـمواطن من مجرد محكوم إلى شريك كامل في تسيير الشؤون العمومية.
إن الدولة، مع تعزيزها لصلاحيات التـحكيـم و الضبط الـمخولة لها وتـحسين شروط مـمارسة هذه الصلاحيات، تعتزم صب عملها أكثر فأكثر على العوامل الـمتـحكمة في النـمو الاقتصادي و تطوير التشغيل و تـحسين ظروف معيشة الـمواطنين.
و تنوي السلطات العمومية، بهذا الـمجهود الـمبذول في سبيل تـجديد الهياكل الـمؤسساتية و الإدارية، تـحمل مسؤولياتها في مجال الاستشراف والتصور و العمل والتقييـم و الـمراقبة.
يشمل إصلاح هياكل الدولة و مهامها من بين ما يشمل، تعميق اللاتـمركز و اللامركزية من خلال إعادة توزيع فعلي للصلاحيات و الوسائل لفائدة الـجماعات الـمحلية، من حيث هي الفضاء الأمثل الذي يقاس فيه يوميا مدى تـمثيل الدولة و مصداقيتها، و من حيث هي، في نفس الوقت، الدليل على ديـمقراطية محلية حقيقية.
الهدف الثالث: تطوير الشراكة بين الدولة و القطاع الـخاص والـمجتـمع الـمدني.
لقد تبـــنت الـجـــزائر طـرحا تنـمويا يعطي الصدارة للإنســان بصفـــــته فاعلا و مـــستفيدا، و عكفت على ترقية أوســـع مشاركة مـمكنة، من مرحلة التصور إلى مرحلة التنفيذ.
لقد سمحت أطر الـحوار الثنائي بين الـحكومة والـحركة النقـابية، والثلاثي، الذي يشرك كذلك أرباب العمل، بإقامة سنة تشاور محمودة بشأن التسيير الاقتصادي والاجتـماعي للبلاد.
فهذه الأطر تساهم في إحداث التوازن الضروري بين مقتضيات الفعالية الاقتصادية و متطلبات الإنصاف الاجتماعي.
إن هدفنا يتـمثل في تعزيز الـحوار هذا، من أجل التوصل إلى عقد اقتصادي و اجتماعي على الـمدى الـمتوسط يوطد شراكة حقيقية بين الـحكومة و الـحركة النقابية والـمستـخدمين.
و الدولة متـمسكة كذلك بتشجيع التطور النوعي للـحركة الـجمعوية، خصوصا، من خلال تشجيع تنظيـمها على الصعيد الوطني و تعزيز قدراتها من أجل مساهمة أكبر في الـجوانب الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية من حياة الأمة.
كما تـحرص الدولة على تـحفيز تطوير الأطر الـملائمة للتشاور والتنسيق على الـمستوى الـمحلي.
الهدف الرابع:إصلاح قانون الأسرة.
إن وضع الـمرأة الـجزائرية يـميزه التساوي في الـحقوق والواجبات في الـمجالات السياسية و الاقتصادية و التربوية والثقافية. و قد سمحت هذه الـمساواة بالتـمدرس الكثيف للفتيات في كافة أطوار التعليـم و ولوجهن أكثر فأكثر الـحياة الـمهنية و الـمسؤوليات السياسية و الاقتصادية والوظائف السامية في الإدارة و القضاء.
فبغض النظر عن حق التصويت و الـمساواة في الأجر اللذين جاء بهما الاستقلال، صار العنصر النسوي يشكل اليوم في الـجزائر، على سبيل البيان، أكثر من 50% من التعداد الـجامعي و أكثر من 60% من التعداد الطبي وأكثر من 30% من سلك القضاة و أكثر من 55% من تعداد الصحافيين.
إن هذا التطور سيتـمم بعد بضعة أشهر عن طريق إدخال أحكام جديدة على قانون الأسرة تكفل استرجاع التوازن بين الزوجين من حيث الـحقوق والواجبات لـجعلها تتـماشى و ما يقتضيه الدستور و إلتزاماتنا الدولية و قيـمنا الـحضارية.
الهدف الـخامس: مواصلة الإصلاح التربوي.
إن الـجزائر، وعيا منها بأن تثمين رأس الـمال البشري هو بالذات أساس التقدم السياسي و الاقتصادي والاجتماعي، بذلت منذ استقلالها، استثمارات معتبرة من أجل تعميـم التـمكن من التعليـم و التكوين.
و ها هي اليوم تسعى جاهدة لتـحقيق تـحول نوعي لـمنظومتها التعليـمية بغية الاستجابة لـمتطلبات إعداد أبنائها و تـحضيرهم لـمـمارسة الأنشطة الـمواطنية و تثمين قدراتهم الإبداعية ضمن سياق اقتصاد يقوم أكثر فأكثر على العلـم و الـمعرفة.
و يرمي هذا الإصلاح، في الـمقام الأول، إلى توفير الشروط الـمادية و البيداغوجية الأكثر ملاءمة للتكفل بتعداد مدرسي يتـجاوز 8 ملايين تلـميذ ( أي 25 % من الساكنة ) و يـعد ما يقارب مليون طالب. و هو السياق الذي تـم فيه الترخيص القانوني لإسهام الـمدرسة الـخاصة والـجامعات الأجنبية في الـجزائر خلال السنة الـماضية.
كما يشمل إصلاح الـمنظومة التربوية الوطنية فتـح هذه الأخيرة على العلـم و الثقافة العالـميين و على اللغات الأجنبية و على التعاون الدولي، ويشمل، في الوقت ذاته، ترقية العناصر الـمؤسسة للهوية الوطنية ضمن منظور يندرج في إطار الـحداثة و التنـمية.
الهدف السادس: تعميق الإصلاحات الاقتصادية و الـمالية.
لقد سمحت السياسة الاقتصادية و الـمالية الـجريئة التي انتهجتها الـجزائر خلال السنوات الأخيرة بشكل متواصل، بإدخال الصرامة و الانسجام على اختيارات تـخصيص الـموارد العمومية و إدارتها.
كما سمحت بتطوير أدوات تـحفيز الـمبادرة الـخاصة ومرافقتها، بـما فيها مبادرة الشباب ضمن منظور التشجيع على بروز طبقة جديدة من الـمقاولين.
إن مواصلة الإصلاحات ستتركز، من الآن فصاعدا على عصرنة القطاع الـمالي و الـمصرفي، حتى يضطلع بدوره كاملا في تـمويل الاقتصاد، و على العقلنة الـمتنامية لتسيير الـمال العام و سياسة نشــطة لإدارة الـمديونية وتطوير القطاع الـخاص و تكثيف مسار فتـح مؤسسات القطاع العام على الشراكة و الـخوصصة.
و يتـمثل أحد الأهداف الـمركزية لاستراتيجية الإصلاحات في تنويع قاعدة الإنتاج الصناعي و الزراعي والـخدماتي، بغية التقليص تدريجيا من التبعية إزاء الـمحروقات، التي لا تزال مفرطة.
إكراهات يجب التغلب عليها و محاور من أجل شراكة مكيفة.
الإكراهات،
إن نـجاح مسار شامل للإصلاحات مثل الـمسار الذي باشرته الـجزائر، مرهون برفع الإكراهات الـمتعددة، الذاتية منها مثل ضعف القدرات، والـخارجية منها مثل الإفراط في تقييـم الـخطر الـمتوجس منه في الـجزائر.
و هناك قيد آخر، متـميز و ليس بالهين، يتصل بالـمخلفات الـمعتبرة التي خلفتها عشرية من الإرهاب والتي ما زالت تؤثر في الـمتغيرات الـميزانية وفي الـموارد البشرية لـمسارنا من أجل النـمو و التنـمية.
إن الكوارث الطبيعية، لـما تـجانب الـجزائر خلال السنوات الأخيرة. فإضافة إلى سنوات طويلة من الـجفاف، عرفت بلادي فيضانات جارفة وزلازل خلفت ضحايا بشرية وخسائر مادية فادحة، مثل زلزال 21 مايو 2003. يضاف إلى هذه الكوارث، اجتياح واسع للـجراد، الذي تواجهه الـجزائر حاليا.
كما ينبغي مراعاة الصعوبات اللصيقة بالقيام بأي كل مسار تـحول واسع الـمدى.
/إن هذه الإكراهات ينبغي تقييـمها و تناولها على ضوء التـحديات التي تطرحها استـحقاقات الشروع في تطبيق اتفاق الشراكة مع الإتـحاد الأوروبي والانضمام إلى منظمة التـجارة العالـمية، غير البعيدة الـموعد.
و على سبيل الـمثال، ينبغي أخذ مجهود التنـمية الـجاري في الـجزائر ومخلفات الأزمة الـخطيرة التي مرت بها بعين الاعتبار عند ترشحها للـحصول على الـمساعدة الـخارجية على التنـمية، التي يكون من الـمجحف أن تـحدد فحسب على أساس دخلها الوطني الذي ما زال هشا.
و على سبيل الـمثال كذلك، فإن الانفتاح الواسع لاقتصادها على الـخارج يعرض الـجزائر إلى مخاطر حقيقية تتـمثل في تهريب رؤوس الأموال عن طريق الـمصارف الـخاصة أو عن طريق التهريب الـجمركي، مـما يتطلب تعاونا دوليا أنـجع لدحر هذه الآفات، لا سيـما و أن الآليات الدولية الـملائمة موجودة و لا تنتظر إلا تفعيلها تفعيلا أكثر نـجاعة.
كما أنه ينبغي للـمجتـمع الدولي أن يصحح إجحافه في تقييـم الـخطر الـجزائري خصوصا و أن الـمصاعب التي عاشتها بلادنا و تـم تـجاوزها، كانت في الواقع ناتـجة عن مكافحة الإرهاب التي تـحملتها الـجزائر عن نفسها و عن غيرها، و التي تعد الآن فيها شريكا دوليا صادقا و فعالا.
الشراكة من أجل تعزيز قدرات التصور و التطبيق و الـمتابعة،
إنه لا مناص من هذه الشراكة لـمضاعفة فعالية دور الإدارة و العدالة والتربية و القطاع الـخاص و الـمجتـمع الـمدني.
بهذا سيتـم إنعاش الهياكل الـحكومية لتوضع فعلا في خدمة أهداف دفع عجلة الاستثمار و الـمـمارسة الفعلية لـمهام الضبط الاقتصادي و التـحسين النوعي لـخدمة الـمرافق العمومية.
أما العدالة، فينبغي أن تكون محل مجهود خاص على صعيد تكوين وتـحسين مستوى القضاة بـما في ذلك في مجال قانون الأعمال، بغية تعزيز دولة الـحق و القانون والأمن القانوني و القضائي في مـجال الاستثمارات.
الشراكة في الـميدان التربوي ينبغي أن ترتكز على الـمحاور التالية،
- الارتقاء بنوعية التعليـم العالي و التقني و الـمهني،
- دعم مراكز الامتياز و برامج البحث الـمشتركة،
- الدعم لإعداد الكتاب الـمدرسي و طبعه،
- الدعــم لاستعــمال تكـــنولوجيات الإعلام الـجديدة في التعليـم.
الشراكة من أجل تطوير قدرات القطاع الـخاص،
لقد رسمت الدولة الـجزائرية لنفسها هدف تسهيل إنشاء 100.000 مؤسسة خاصة على امتداد الـخمس سنوات القادمة. إن هذا الـمجهود وكذا تـحسين مستوى تسيير الـمؤسسات القائمة و إدماج القطاع غير الـمصرح به تتطلب كلها دعما في مجال التكوين و الـخبرة من أجل تـحكم أفضل في الطور الإعدادي للـمشاريع و في إنشاء الـمؤسسات و تنظيـمها و تسييرها.
و تعزيز الـمجتـمع الـمدني يتطلب كذلك دعما لقدراته التنظيـمية و التقنية و لوسائل عمله، من أجل رفع إسهامه في الـمسار التنـموي إلى أقصى حد.
تطوير الشراكة من أجل ترقية الاستثمار و إدماج الاقتصاد الـجزائري ضمن الاقتصاد العالـمي،
إن الإفراط في تقييـم الـخطر الـجزائري لا يـمكن تبريره بالعوامل السياسية و لا بالـحجة الأمنية و لا بالـمعطيات الاقتصادية و الـمالية.
فالـجزائر التي استعادت الأمــــن و الاستقرار و الصدقية والنـمو الاقتصادي، و قدرة الصرف العادية، توفر اليوم على كافة مواصفات الـمحيط الـجلي الآمـن والـجذاب لترقية الاستثمارات الأجنبية الـمباشرة. علاوة على ذلك، فهي تتوفر على مزايا أخرى تضمن تكاليف صفقات تنافسية سواء أتعلق الأمر بنوعيـــة الـمنشآت الأساسية أم بوفرة اليد العاملة الـمؤهلة و غير الـمكلفة، أو بوفرة الطاقة و غيرها من الـمنافع بكلفة زهيدة، و جباية تـحفيـــزية، و سوق مطردة التوسع.
إن الإفراط و الغلو في تـحديد الـخطر تشكل من ثمة، عائقا يعاقب بغير وجه حق الاقتصاد الـجزائري و الـمقاولين الراغبين في الاستثمار فيه.
إننا ننتظر من شركائنا في مجموعة الثمانية أن يقدموا مساهمتهم من أجل نظرة صحيحة للواقع السياسي والاقتصادي في الـجزائر و لـما توفره من فرص هائلة للاستثمار.
إن العمل الأولوي في الشراكة ينبغي أن يتـمحور على إعادة هيكلة وتأهيل الـجهاز الإنتاجي لـمباشرة الاندماج في أحسن الظروف، ضمن الاقتصاد العالـمي، الاندماج الآيل إلى وتيرة أسرع مع تنفيذ اتفاق الشراكة مع الإتـحاد الأوروبي وانضمام الـجزائر إلى منظمة التـجارة العالـمية.
إن الإصلاحات الـمتعددة الأبعاد الـجارية، إلى جانب إسهامها في بناء مستقبل بلادنـــا، تعود بالنفع على تطور فضاءات انتماء الـجزائر الـجيوسياسي. و ذلك يعني أن الرهانات تتعدى حدودنا الوطنية و يقتضي من جانب شركائنا التزاما متواصلا و تعاونا متـجددا.